للاعلان

Thu,28 Mar 2024

عثمان علام

كلمتين ونص .. منافقاً بامتياز مع مرتبة المأمون

كلمتين ونص .. منافقاً بامتياز مع مرتبة المأمون

07:50 am 08/12/2022

| رئيس التحرير

| 3295


أقرأ أيضا: تعيينات البترول ..يس وياسر ومجدي وراندي وتامر والجيوشي وبركات واسعد وصبحي وعميش وعبدالوهاب

كلمتين ونص .. منافقاً بامتياز مع مرتبة المأمون

 


فى السابق لم أكن أُجيد فن المجاملات ولا الكلام المعسول ، ولا أملك مفردات العشق الممنوع ، قديماً إذا قالت لي سيدة : أنا أحب الربيع ، أقول لها : أنا أحب الخريف ، وإذا سألني أحد عن شيئ سؤالاً مستتراً حتى لو كان يطلب من وراءه حاجه ، كنت أطلب منه أن يكون واضحاً وصريحاً في سؤاله حتى لو كان فيه ذهاب ماء وجهه ، هكذا الريفيون أمثالي، مع مرور الوقت تعلمنا جميعاً فن المجاملات التي وصل إلى حد النفاق ، تباً لهذا الزمان .

 

أذكر قبل ثلاثين سنة جئت وافداً من قريتي في أدغال الصعيد ، رأيت القاهرة كيف أنها كانت تموج بمباهجها وأضوائها وفتياتها الجميلات ورائحة العطور تملأ الأركان ، وبينما الناس ما بين أفراحهم وأحزانهم يتقلبون كموج البحر ، كُنت أنا دائم الشرود وربما الحزن ، حزن على لا شيئ ، وشرود في ملكوت غائب عن الذهن حاضر أمام العين ، أي شيئًا يشغل ذلك القلب البكر وهو لم يبرح عامه الثامن عشر !


كان لديَّ شعور غريب بلا شيئ لم استطع أن أترجمه حتى بالكلمات البسيطه التي كانت تجري على ألسنة من كانوا يصغرونني بعشر سنوات ، أطفال كانوا ينطقون بكلمات الحب ومشاعر الذكورة المتأججة نارها قبل أن يخط الشارب وتظهر علامات البلوغ .

 


وقت أن تشجعت وطلبت من فتاة البوح بحبي وشغفي لها ، خرس لساني ، كل ما هنالك طلبت منها أن تسمع لي ، أريد أن أقول لها كلمات ، ظلت تستمع دون أن اتحدث ، وفي كل مرة كنت أطلب أن احكي لها ، كانت شغوفة أن تسمع ، لكن الخرس كان رفيقي دوماً .


ظللت هكذا ربما عامين أو ثلاث ، بعدها لم استطع أن أقول لها : أُحبك ، غير أن كلمات ليست كالكلمات كانت تنطق بها عيني ، الكلمات تحتبس وجسمي يرتعش كما لو كُنت بنتاً بكراً تخشى أن تتحسس يدي صبي جسدها .

 

كانت الأحلام أكبر وأقوى بكثير من الظروف ، أحلام جعلتني أنظر إلى البنايات ، فاختار أجملها واوضحها واوسعها واشهقها مساءًا ، فى الصباح يتبدل الحلم وأنا ارى الناس يضعون قدم ويتركون قدم فى الهواء وهم "يتشعلقون" فى المواصلات ، تخمد الأحلام لترضى بغرفة في زقاق ضيق ، المهم أن له باب احمل مفتاحه في جيبي ولا أحد ايري يحمل نسخة منه .

 

مع مرور الوقت ، وجدت أن الحب لا تنطفئ ناره ابداً ، بل تشتعل ما بين الحين والأخر ، تماماً كالبركان الذي صمد كثيراً ، غير أنه لم ينفجر ، آثرت أن يكون الصمت هو الرفيق ، حتى الكلمات التي كانت العين تنطق بها دون اللسان لم تعد موجودة ، تبخر كل ذلك وسط الزحام والبحث عن حال أفضل ومستقبل لا يعلمه إلا الله .

 


ومن يقرأ يرى العالم بقلبه ، لكن من يسافر يرى العالم والناس بكل حواسه ، لا تظنون أنني سافرت في هذا الوقت ، كل ما هنالك أنني غيرت مسكني ، وهجرت المنطقة لمنطقة أخرى ، وهذا سفر بالنسبة لي ، رأيت عوالم أخرى غير تلك التي استقبلتني ، أدركت كيف أن الحياة قاسية ، عاشرت أولئك الوحوش الذين يحكون عن السيدة اللعوب التي تسكن في أخر البناية ، وسمعت قصص وحكايات الأرامل والمطلقات وكيف أن الظروف تضطرهن لفعل أشياء قد تكون مشينة من وجهة نظري من أجل العيش وتربية الأبناء ، لا معنى لهذه الحياة طالما أنك لا تملك جنيهات حتى ولو كانت معدودة لتقضي حاجاتك .


وبما أن الحياة لا تتوقف ، وبما أن الزمن كفيل أن يُنسيك كل معاناتك وحتى أفراحك ، هو يسوق لك ما يريد وأنت تستقبل ما يريده لك بكل اريحية ورضاء ، وإلا ماذا بيدك حتى تفعل ، أنت ترى كيف أن الشمس كل يوم تطلع ثم تغيب ، والنهار يعقبه الليل ، والربيع متبوعاً بالخريف ، والصغير يكبر ، كل يوم يموت إنسان ويولد أخر ، هذه أشياء جعلت العين تتسع ، لترى أشياء ما كان لها أن تراها فى السابق .

 

مع مرور الوقت تدرك قيمة الاجتهاد والعمل ، قيمة التمرد على الأحوال ، قيمة الرغبة فى الخروج من المجتمع الضيق لمجتمع أرحب واوسع ، حتى قيمة الفقر والجوع والحاجة ، لتتخلص من كل ذلك وتعيش حياة أخرى ، ربما لا تعلمها لكنك تتوق إليها كما لو كانت لقمة تنتظرها وأنت جائع أو شربة ماء تروي ظمأك .


تدور الأيام دورتها ، وما كان يبهجك فى الماضي تراه نوعاً من العبث فى الحاضر، وما كان يسعدك بالأمس هو مصدر شقاء لك اليوم ، من كنت تعرفهم أضحوا ذكريات وربما أبطال لرواية لك أو حكاية تحكيها على سبيل الاستدلال أو المُزاح عندما تريد ذلك في موقف ما ، نحن هكذا أحياناً نتاجر بالذكريات المؤلمة كما لو لم تكن جزء منا .

 


غير أن الروح التي كانت تسكنك فى الماضي تظل ملازمة لك فى الحاضر ، ترافقك طيلة الوقت ، وددت لو ترجلت لاشاهد البنايات التي كنت اتوق لها وأصبحت ممقوتة عندي ، أو أرى محبوبة الصبا وكيف أمست ، وددت لو عرفت أحوال السيدة التي تسكن فى اعلى البناية لأعرف ماذا صنع الزمان بها ، وهؤلاء الأرامل والمطلقات واطفالهن الصغار ماذا فعل الزمن بهن ، أشياء كثيرة كنت تريد الخلاص منها ، وما إن تخلصت حتى عادت الذاكرة تقص عليك حكاياتهم دون إرادة منك أو رغبة .

 


أنا لا أتخيل أنني احكي قصصاً مضى عليها ثلاثين سنة ، يا له من زمان مفرط في سرعته ، كيف لهذه الأشياء التي تسكن داخلي أن تصبح ذكريات ، وكيف للشباب أن يضحوا شيوخاً ، وكيف للصغار أن يغدو رجالاً ، وكيف للفاتنة الجميلة أن تصبح أماً للعيال بعد أن ترهل جسدها وخمدت انفاسها وذبل وجهها وتبخرت رائحتها .

 

ربما أكون أنا هكذا في نظر الأخرين ، قد يراني أحدهم بعد كل هذه السنوات فيقول لي: لقد أصابك العجز وشابت ناصيتك ، أنا لا أشعر بذلك ، أنا هو نفس الصبي الذي لايزال يذكركم ويراكم بعينه قبل ثلاثين سنة ، إحساس مخيف ومميت أن ترى الناس بعين وهم يرونك بعين أخرى ، أن توصمهم بأشياء ولا تنتظر منهم ردة فعل أو حتى مقولة قد تغضبك أو تحزنك ، تريدهم أن ينافقوك وتنافقهم ، كيف لا وقد علمنا الزمن كيف نكون منافقين بامتياز ليس مع مرتبة الشرف ، بل مع مرتبة يانسن
أو هابيتات أو انجلندر أو مرتبة المأمون .

 

خواطر كثيرة ساقها لي المسلسل السوري "الندم"، الذي يحكي قصصاً عن الحرب الاسرائيلية على الجولان ، وأحوال الناس ، وكيف بات الفتى اليافع الوسيم المُحب العاشق ، يربي لحيته ويعيش في ملكوت الذكريات بعد أن رحلت حبيبته وتبخر الوطن ولم يبقى منه سوى أطلال .


أجمل ما في الأمر أن الفتى لديه المال ، والأجمل أنه موهوب ومشهور ، وشهرته هذه جعلت الجميلات يلهثن خلفه ، لكنه يرفض أن تبيع إحداهن جسدها بالمال ، هو يمنحها المال دون مقابل ، هو يكتب والسلطات تمنحه المال الوفير ، لكنه لا يرى أن ما يكتبه يستحق أن يحصد كل ذلك من وراءه …ويظل حلمه الوحيد ، هو تلك الخيالات من الحُب المفقود .

#حكاوي_علام #عثمان_علام

أقرأ أيضا: مجرد رأي..رسالة للملا.. لن نرضي إلا بعسير الحساب لهؤلاء

التعليقات

أستطلاع الرأي

هل تؤيد ضم الشركات متشابهة النشاط الواحد ؟

عدد الأصوات 891 (69.45%)

عدد الأصوات 392 (30.55%)

إجمالي الأصوات 1283