للاعلان

Sat,28 Sep 2024

عثمان علام

زلزال "السترات الصفراء" يهز عرش ماكرون.. وينذر بـ"خريف الغضب" الأوروبي

زلزال "السترات الصفراء" يهز عرش ماكرون.. وينذر بـ"خريف الغضب" الأوروبي

الكاتب : عثمان علام |

09:58 am 02/12/2018

| غاز

| 1722


أقرأ أيضا: د. محمد العليمي يكتب: تتغير الحياة بعد الأربعين

نيران مشتعلة.. وأعمدة دخان كثيف.. وغازات مسيلة للدموع.. وقتلى وجرحى في الشوارع" .. لم يكن المشهد السابق في أحد عواصم ما كان يسمى بـ"الربيع العربي" بل كان مشهدا واقعيا في بداية ما قد يطلق عليه "الخريف الأوروبي"؛ حيث شهدت فرنسا التى لطالما تغنت بحرية التعبير عن الرأي والحفاظ على حقوق الإنسان مظاهرات غير مسبوقة عُرفت باحتجاجات "السترات الصفراء" التى جاءت لتنذر بخطورة الوضع الراهن، وتعلن تحديها للحكومة الفرنسية حيث جابت مئات المظاهرات أنحاء البلاد منذ عدة أيام بمشاركة الآلاف الغاضبين من ارتفاع أسعار المحروقات والنظام الضريبى وتراجع القدرة الشرائية والمنددين بالسياسات الاقتصادية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مرددين شعارات تطالب باستقالته.

سر تسمية "السترات الصفراء"

وتشهد العاصمة الفرنسية باريس حالة من الفوضى والعنف بسبب حركة شعبية تُسمى بـ"السترات الصفراء" والتى انطلقت فى مطلع أكتوبر هذا العام عقب ارتفاع  أسعار المحروقات، وانتشرت بشكل كبير على شبكة الإنترنت وحظيت بتأييد فئات واسعة من الشعب الفرنسي ومن بينهم من صوتوا لصالح ماكرون. 

وأطلق المحتجون هذا الاسم على أنفسهم لارتدائهم سترات فوسفورية مضيئة التي يتوجّب على كل سائق سيارة ارتداؤها وإلا تُفرض عليه غرامة قد تتعدى مائة يورو.

وأعلنت الحركة عن نيتها إغلاق الطرق والمطارات ومحطات الوقود فى العاصمة وضواحيها بهدف دفع الحكومة إلى مراجعة سياستها الاجتماعية والنظر بعين الاعتبار إلى مطالب الطبقات الفقيرة والمتوسطة، وبالفعل نجحت في جمع أكثر من 270 ألف شخص السبت الماضي، الأمر الذى يشكل تحديا كبيرا للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ومدى قدرته على إدارة الأزمات والخروج بالبلاد إلى بر الآمان.

وبلغت تلك الاحتجاجات أوجها أمس الأول السبت فى شارع الشانزيليزيه الأشهر فى باريس الذي شهد أعمال عنف وتخريب ومواجهات دامية بين المتظاهرين ورجال الشرطة حيث تدخلت الشرطة بقوة وعنف مستخدمة الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لتفريق المتظاهرين، الأمر الذى أدى إلى اضطراب واسع النطاق فى كافة أنحاء البلاد.


حواجز ومتاريس .. في شوارع باريس

وعمد المتظاهرون على إقامة حواجز ومتاريس لشل حركة السير على الطرقات العامة وعند الساحات ومراكز التسوق، وتحولت المظاهرات فى مناطق عدة إلى أعمال شغب خاصة جنوب غرب فرنسا على الطريق السريع بين باريس وبوردو وفى غرب فرنسا فى كاين وفى الشمال بقرب من مدينة "كاليه" الساحلية.

وأوقعت المظاهرات - وفقا لما أعلنته شرطة العاصمة باريس – حتى الآن قتيلين وأسفرت عن إصابة واعتقال وتوقيف المئات، وتخشى قوات الأمن أن يتسلل متطرفون من أقصى اليسار واليمين المتطرف إلى المظاهرات، مما يزيد تحديات السيطرة على الجماهير. وقال دينيس جاكوب الأمين العام لاتحاد الشرطة البديلة لرويترز إنه من المتوقع أن يحتج نحو 30 ألف شخص في باريس وحدها. وتابع "نعلم أن متسللين من اليمين المتطرف ومن اليسار المتطرف هنا. يمكنك أيضا توقع عصابات من الضواحي".

3 ملايين طفل تحت خط الفقر

وأعد "المرصد الفرنسي للأوضاع الاقتصادية" دراسة تشير إلى أن الدخل السنوي للأسر الفرنسية قد انخفض  بمقدار 440 يورو بين 2008 و2016، وارتفعت معدلات البطالة والفقر والتهميش الاجتماعي وتعميق الفوارق بين الفقراء والأغنياء، وهى الأسباب ذاتها التى أدت إلى فوز إيمانويل ماكرون بالرئاسة بعدما أكد أن اهتمامه الأول يتمثل فى إصلاح الأوضاع الاقتصادية بالبلاد، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهى السفن ووضعت سياسات ماكرون الإصلاحية مستقبله السياسي على المحك وأدت إلى تدني شعبيته لأرقام قياسية وسط اتهامات بأنه يعمل لصالح طبقة الأثرياء والرأسماليين، مما ساهم فى تفاقم حالة الاستياء الشعبي وتراجع مؤيديه.

وطبقا لدراسة أجراها معهد "ايبسوس" لدراسة الأسواق مع منظمة النجدة الشعبية الفرنسية، حول الفقر الغذائي في فرنسا، تبيّن أن هناك فرنسياً من بين كل خمسة فرنسيين، لا يمكنه تحمّل تكلفة ثلاث وجبات يومياً؛ وقد لايعلم الكثيرون أن فرنسا التى تعد القوة السادسة عالمياً يعيش فيها 9 ملايين شخص بينهم 3 ملايين طفل تحت خط الفقر.

الحكومة مصممة على خططها الاقتصادية

ومن جانبها أكدت الحكومة الفرنسية أنها لن تتراجع عن القرارات التي اتخذتها بشأن دعم خطط زيادة الضرائب على الوقود، وقال رئيس الوزراء الفرنسي إدوارد فيليب لتلفزيون فرنسا 2 "المسار الذي رسمناه هو الصحيح وسنلتزم به".

وتجدر الإشارة إلى أنه فى غضون عام ارتفعت أسعار الوقود بنسبة 23% على الديزل، و14% على البنزين، ومن المتوقع أن ترتفع من جديد مع مطلع العام المقبل. وقد أرجع الرئيس الفرنسي ماكرون سبب هذه الزيادة إلى ارتفاع أسعار النفط مشيرا لضرورة فرض مزيد من الضرائب على الوقود "الأحفوري" لتمويل الاستثمارات في مجال الطاقة المتجددة.


أعداء ماكرون وتسييس "السترات الصفراء"

وفي محاولة للتخفيف من حِدة الغضب الشعبي، أطلقت الحكومة حملة لإقناع الشعب بأن زيادة الرسوم على الوقود ستُوجه للحفاظ على البيئة، وأعلن فيليب اتخاذ تدابير إضافية للتخفيف من آثار ارتفاع أسعار المحروقات، بما في ذلك تقديم مساعدات لتوفير سيارات كهربائية صديقة للبيئة لأعداد كبيرة من الأسر.

وعلى صعيد متصل، حذرت الحكومة رجال الشرطة من الانضمام للمظاهرات بالزي الرسمي، إلا أن بعض عناصر الشرطة قد انضمت للحركة الاحتجاجية، خاصة أن الكثير منهم يستخدم السيارات الخاصة للوصول لأماكن العمل

كما شدد الرئيس الفرنسي ماكرون على خطورة تسييس حركة "السترات الصفراء" واستغلالها من طرف بعض الأحزاب، حيث شجعت بعض الأحزاب الحركة مثل "فرنسا الأبية" بزعامة جان لوك ملونشون، وحركة "الجمهوريين" بزعامة لورون فوكيه، وحزب "انهضى يا فرنسا" بقيادة نيكولا دوبون آنيون، و"التجمع الوطني" بزعامة مارين لوبين.

وقد أشارت عدة استطلاعات للرأي إلى أن حركة الاحتجاجات غير السياسية التي انطلقت على شبكات التواصل الاجتماعي في 17 نوفمبر تحظى بتأييد 75% من الفرنسيين خاصة فى ظل استقطاب شديد من قبل تيارات متشددة سواء من أقصى اليمين أو اليسا تسعى لفرض هيمنتها على الأرض وتحقيق مكاسب  تمكنها من السيطرة على مقاليد الحكم.


والعالم بأسره ينظر إلى الشعب الفرنسي للوقوف على اختياراته وعما إذا كان سيسعى للحفاظ على أرضه وممتلكاته ويدعم القرارت الصعبة التى اتخذتها الحكومة لتحسين الأوضاع الاقتصادية والنهوض بالبلاد، أم  ينجرف فى طريق يبدو وكأنه مظلم وضبابي لا أحد يستطيع أن يتنبأ بنهايته.

أقرأ أيضا: إنرلك تفوز بالمركز الثاني فى المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء

التعليقات

أستطلاع الرأي

هل تؤيد ضم الشركات متشابهة النشاط الواحد ؟