د. محمد العليمي يكتب: الصمت صراخ بلا كلمات
الصمت أحد أبرز الظواهر الإنسانية التي تحمل بين طياتها الكثير من المعاني والدلالات، فهو لغة العظماء الذين يختارون عدم الكلام في أوقات الشدة والفتن، وهو سترٌ للجهلاء الذين يفتقرون القدرة على التعبير، الصمت ليس مجرد غياب للكلمات بل هو إرهاق للنفس، إذ يبدو في ظاهره هدوءاً، لكنه في جوهرة ضوضاء داخلية لا تستطيع أن تعبر عن الكثير من المشاعر والأفكار.
غالباً ما يحمل الصمت رسائل غير معلنة، أو تعبيراً عن عتاب، أو حتى تجاهلاً لموقف ما، فهناك من يراه ضعف، لكن خلف كل صمتٍ تكمُن ألف كلمة، وبالرغم من ذلك يبقى هو الملاذ الذي نلجأ إليه في الأوقات الصعبة، فهو الصديق الخفي عندما يضيق بنا الحال، عندما نعجز عن البوح بمشاعرنا، كل تلك المشاعر المتضاربة تتجسد في لحظات الصمت، مما يجعله تجربة إنسانية فريدة، فهناك من يدرك أن الكلام لا يغير شيئاً في الواقع، فيختار أن يصمت، وقتها يصبح الصمت أبلغ من أي تعبير لفظي، ليصبح هو الخيار الذي يعكس الحكمة والنضج.
وفي النهاية علينا أن نعرف ان ليس كل صمت هروب، بل هو في كثير من الأحيان وسيلة للتعبير عن النوايا والمشاعر، وسيلة للنجاة من واقع لا يُطاق، وعلينا أن ندرك قيمته وأهميته في حياتنا، فسلاماً على من يعرف كيف يتحدث بالصمت، لأنه في بعض الأحيان هو الرسالة الأكثر وضوحاً، فهو الصديق الخفي الذي نلجأ إليه كلما ضاق بنا الحال، وعجزنا عن البوح أو الكلام، فقد نصمت قهراً، حزناً، خوفاً، ظلماً، غضباً، ضعفاً، وأحياناً نصمت حباً، عشقاً، شوقاً، حنيناً وألماً ! قد تعتقد أن القوة تكمن في الردود السريعة والكلمات القوية، لكن القوة الحقيقية في الصمت والتجاهل، فسلاماً على من وجد الكلام لا يغير في الواقع شيئاً فصمت.