الثلاثاء 03 يونيو 2025 الموافق 07 ذو الحجة 1446

كيف يساهم الذكاء الاصطناعي في زيادة الإنتاج ؟ د محمد عبدالهادي

828
المستقبل اليوم

يُحدث الذكاء الاصطناعي تحولًا كبيرًا في العالم وفي مختلف الصناعات، ومنها صناعة البترول. فخوارزميات الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence) بدأت تدخل في مختلف مجالات هذه الصناعة، من البحث والاستكشاف، إلى الحفر، والإنتاج، والتوزيع، مما يدفع بموجة من الابتكار والكفاءة لإعادة تشكيل الصناعة.

العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا تشهد تطورًا مستمرًا، وللذكاء الاصطناعي دور كبير في إحداث نقلة نوعية في إدارة الأعمال. فالشركات تمتلك اليوم كمًا هائلًا من البيانات، بعضها كان غامضًا وغير مستغل، رغم أنها تُعد كنوزًا ثمينة يمكن البناء عليها لتطوير أعمالها.

تكمن أهمية الذكاء الاصطناعي في قدرته على جمع البيانات من مصادر متعددة، والتكامل مع البيانات الجديدة، وتحليل هذا الكم الهائل منها بدقة، مما يساهم في توسيع نطاق الأعمال وتحقيق أعلى عائد على الاستثمارات. وقد قُدر حجم الاستثمارات في هذا المجال بحوالي 94 مليار دولار في عام 2025، ومن المتوقع أن تنمو لتتجاوز 800 مليار دولار بحلول عام 2030.

ينقسم الذكاء الاصطناعي إلى نوعين رئيسيين:
• التعلُّم الآلي (Machine Learning): حيث تُمنح البرامج مجموعة محددة من التفاعلات لاستخدامها مع البشر، مثل مساعدي الدردشة.
• التعلُّم العميق (Deep Learning): والذي يعتمد على معلومات أولية يتم دمجها أثناء التفاعل مع الإنسان، ليصبح النظام أكثر تعقيدًا، كما في نماذج مثل ChatGPT من OpenAI، وGemini وغيرها.

تطورت هذه النماذج وتطبيقاتها بشكل سريع لتصبح أكثر قوة وقدرة على البحث العميق في البيانات، ولها استخدامات في الصناعات العسكرية، وبرامج الصواريخ، وتقنيات الروبوتات، والمركبات ذاتية القيادة مثل Tesla.

أما في مجال صناعة البترول، فقد شهدت العلاقة مع الذكاء الاصطناعي تزايدًا ملحوظًا. فقد انتقلت هذه التكنولوجيا من التطبيقات المكتبية إلى المجالات العملية في الحقول، فدخلت في تقييم بيانات المسح السيزمي، وتحليل البيانات الجيولوجية الضخمة لباطن الأرض بتركيبته المعقدة، لتحديد أماكن الآبار الاستكشافية بدقة، مما يقلل من مخاطر حفر الآبار غير المنتجة (Dry Wells).

كما تُستخدم في عمليات التكسير الهيدروليكي (Hydraulic Fracturing) لزيادة الإنتاج من طبقات البترول منخفضة النفاذية، وهي عمليات قد تتسبب في مشاكل كبيرة قد تؤدي إلى توقف الإنتاج وارتفاع تكاليف الإصلاح. لكن بفضل الذكاء الاصطناعي، يمكن تنفيذ هذه العمليات بكفاءة أعلى وفي وقت أقل. وقد ساعدت بعض التطبيقات الشركات الأمريكية في تسريع عمليات الحفر بنسبة تصل إلى 30%، وخفض التكاليف.

وفي بعض شركات الخليج، تم إطلاق مشروع “Robo Well” بالتعاون مع شركات الذكاء الاصطناعي ومقدمي خدمات العمليات العالمية، للحفاظ على ضخ آبار الغاز من خلال التحديث المستمر لبيانات الآبار وإجراء التعديلات اللازمة.

أما في الحقول المتقادمة (Brown Fields)، فإن دمج البيانات المتوفرة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي — من تسجيلات الآبار، والبيانات الجيولوجية، والمخبرية، والسجلات التاريخية للإنتاج — يُوفر رؤية شاملة للخزانات البترولية، ويفتح آفاقًا جديدة لعمليات التقييم، ويساعد في بناء نماذج مكامن عالية الدقة. وهذا بدوره يُمكن من تحديد طرق أكثر كفاءة للاستخراج، وبالتالي زيادة الإنتاج.

إن حسن استغلال التقدم في الذكاء الاصطناعي سيكون له تأثير هائل على صناعة البترول، من خلال تقليل المخاطر العالية للاستثمار، وزيادة الإنتاج، وتطوير المكامن الحالية، وخفض التكاليف، وإعادة إحياء الحقول المتقادمة، وتحسين العمليات الإنتاجية بشكل مستمر. كل هذا يمنح هذه الصناعة القدرة على مواجهة التحديات وتعويض التناقص الطبيعي في الإنتاج.

وللحديث بقية، إن شاء الله.




تم نسخ الرابط