قراءة في مشهد استقبال الوزير لذراع مركب التغييز بالمطار

لم يكن أحد يتوقع أن يتحوّل وصول قطعة غيار ثقيلة لمعدة فنية إلى مشهد مثير للدهشة والجدل، حين قرر وزير البترول أن يتوجه بنفسه لاستقبالها فور وصولها على متن طائرة شحن.
من حيث الشكل، قد يبدو المشهد في ظاهره دليلاً على الاهتمام والحرص، وهذا ربما ما يشغل المهندس كريم بدوي الذي لم يسترح ساعة واحدة منذ عشرة أيام ، خاصةً متابعته لمراكب التغييز ونكبة بارج خليج السويس، لكن من الناحية الادارية ، فإن وجود الوزير في موقع كهذا يطرح تساؤلات جدية حول حدود الدور السياسي والإداري له ، فهذه مهمة في الأساس تتولاها إدارات متخصصة مثل: الشحن والخدمات ومكاتب التخليص الجمركي بالهيئة . وارى ان هذا حمل وتحامل على الدور الطبيعي للوزير وارهاق له ، ومن هم أولئك الذين نصحوا الوزير بهذه الخطوة التي لا تنتمي للمنطق الإداري الرصين؟
أما من حيث المضمون، فالمسألة أعمق وأخطر. فشحن مثل هذه المعدات - التي تُستخدم في مراكب إعادة التغييز FSRU لنقل الغاز المسال - يجب أن يتم التخطيط له ضمن جدول زمني دقيق، يراعي التعاقدات، وتوقيتات التشغيل، وطرق الشحن المثلى. ومعروف أن هذه “أذرع التحميل” يتم التعاقد عليها بالتزامن مع التعاقد على المراكب، وتُشحن غالبًا بحرًا، لأن تكلفة الشحن الجوي باهظة وتُستخدم فقط في الحالات الطارئة القصوى.
لكن ما حدث هنا يشير إلى قرارات تفتقر إلى الدراسة الكافية، فقد تم شحن المعدة جوًا، رغم أن المعطيات لا تشير إلى ضرورة ملحة تستدعي هذا الخيار المكلف، فهل نحن أمام حالة من ضعف التخطيط وسوء إدارة الموارد؟ وكيف نبرر ذلك في وقتٍ تشتكي فيه الشركات الأجنبية العاملة في القطاع من تأخر مستحقاتها، بينما يتم إنفاق الملايين على شحنات يمكن نقلها بوسائل أقل كلفة؟
ما نشهده نموذج مصغر لطريقة تفكير أكبر، نمط إداري يخلط بين الرمزية الفارغة والكفاءة المطلوبة، بين الاستعراض والتخطيط، بين الاستعجال غير المبرر والهدر الواضح.
في وقت تعاني فيه الدولة من ضغط اقتصادي هائل، وتُطالب فيه الجهات الرسمية المواطنين بالتقشف وضبط الإنفاق، تصبح مثل هذه المشاهد دليلاً صارخًا على غياب الرؤية المتوازنة. المطلوب ليس فقط تفسير ما جرى، بل مراجعة حقيقية للمنهجية التي تُدار بها مثل هذه الملفات.
نحن بحاجة إلى إدارة تحترم أولوية المال العام، وتفهم أن العمل المؤسسي لا يقوم على الصور بل على القرارات المدروسة.