الإثنين 07 يوليو 2025 الموافق 12 محرم 1447

مروه عطيه تكتب... فى ذكرى ميلاد القاهرة

170
المستقبل اليوم

القاهرة... المدينة التي وُلدت على وقع الطبول والنذور
في صباح مشرق من ربيع عام 969م، وعلى الضفة الشرقية لنهر النيل، وُضعت أولى لبنات مدينة كان يُقدّر لها أن تكون قلب الشرق النابض، وواحدة من أعظم حواضر الدنيا: القاهرة. لم يكن اختيار الاسم عبثًا، فقد أراد الفاطميون أن تكون "قاهرة الكواكب"، و"قاهرة أعدائها"، وها هي بعد أكثر من ألف عام لا تزال تقهر الزمن، وتختزن بين شوارعها الحكايات والفتن والعجائب.
تاريخ التأسيس... لحظة ميلاد العاصمة:
في يوم الخميس، 17 شعبان سنة 358 هـ، الموافق 6 يوليو سنة 969م، دخل القائد الفاطمي جوهر الصقلي مصر قادمًا من المغرب بأمر الخليفة المعز لدين الله الفاطمي، بعد أن مهد الطريق للسيطرة على المحروسة دون قتال يُذكر. شرع جوهر في بناء عاصمة جديدة للخلافة الفاطمية، شمال الفسطاط والعسكر والقطائع، وسماها "المنصورية"، لكن ما لبث الاسم أن تغيّر إلى "القاهرة" حين دخلها الخليفة بنفسه عام 973م.
ويُقال إن جوهر استدعى المنجمين لاختيار أنسب توقيت لبداية البناء، فلما بدأوا في وضع الأساسات، ظهر كوكب المريخ في السماء، وكان يُعرف بـ"النجم القاهر"، فتهللت وجوههم وقالوا: "لقد ظهرت القاهرة!"، ومن هنا جاء الاسم.
تصميم القاهرة... مدينة المحرّمات والأسوار:
بُنيت القاهرة على غرار المدن الملكية المحرّمة، فلم تكن في بدايتها مخصصة للعامة، بل كانت مقرًا للخلافة وقصور الدولة وجنودها وموظفيها، تحيطها الأسوار من كل الجهات، وتُغلق أبوابها ليلاً. وقد أُقيمت في وسطها قصران عظيمان: الشرقي الكبير والغربي الصغير، يتوسط بينهما ميدان فسيح، هو ميدان القصر.
كما أُسست الجامع الأزهر عام 970م ليكون مركزًا دينيًا  وتعليميًا لنشر المذهب الشيعي الإسماعيلي، قبل أن يتحول لاحقًا إلى منارة سنية لا تغيب عنها الشمس.
قاهرة السلاطين... من الفاطميين إلى المماليك:
عاشت القاهرة قرونًا طويلة كعاصمة لدول وممالك تعاقبت عليها، من الأيوبيين إلى المماليك، ثم العثمانيين، مرورًا بالحملة الفرنسية ثم الأسرة العلوية. تحولت من مدينة مغلقة إلى مدينة كوزموبوليتانية تستقبل العلماء والتجار والصوفيين والرحالة من شتى بقاع الأرض.
في العهد المملوكي، بلغت القاهرة ذروة ازدهارها المعماري والثقافي، فازدانت بالمدارس والخوانق والحمامات، وشُيدت أعظم المساجد التي لا تزال تُبهر الأبصار حتى يومنا هذا، مثل مسجد السلطان حسن ومسجد قايتباي.
القاهرة اليوم... مدينة الألف وجه:
تبدو القاهرة اليوم مدينة مترامية الأطراف، تختلط فيها الأصالة بالحداثة، والمآذن بالأبراج، والأسواق الشعبية بالمولات التجارية. هي ليست فقط عاصمة مصر، بل هي القلب الذي يخفق بثقافة الوطن العربي، وصاحبة الكلمة الأولى في الفن، والسياسة، والدين، والتاريخ.

ورغم ما تعانيه من زحام واختناقات، تبقى القاهرة مدينة لا تُشبه إلا نفسها؛ مدينة إذا أحببتها أسرتك، وإذا خاصمتها عذّبتك، لكنها لا تتركك أبدًا دون أثر.
المراجع:
1. المقريزي، الخطط المقريزية، تحقيق: محمد زينهم محمد عزب، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة.
2. جمال الغيطاني، القاهرة.. خططها وتاريخها، دار الشروق.
3. د. عبد الرحمن زكي، القاهرة.. تاريخ مدينة، الهيئة المصرية العامة للكتاب.
4. موقع مكتبة الإسكندرية - ذاكرة مصر المعاصرة.




تم نسخ الرابط