أيمن حسين يسأل / هل لا يزال الرجل شجاعًا في هذا الزمن؟

في لحظات الاختلاء بالنفس والتفكير في الحياة، وما يحدث حولنا، وما نراه في أماكن عملنا أو حتى في الشارع، أو ما يصدمنا طوال اليوم مما نتصفحه على مواقع التواصل الاجتماعي، نكتشف – بدون شك – أن الحياة اليوم أصبحت غريبة في موازينها أو في الفطرة التي خلق الله الإنسان عليها. اختلت القيم، وتشوش الحق والباطل. أصبح الصواب أحيانًا تهمة، والخطأ مهارة يُكافأ صاحبها. نرى شخصا يكذب بذكاء فيقال عنه دبلوماسي، ومن ينافق فيقال عنه لبق، ومن يبيع مبدئه فيقال عنه مرن. بينما من يتمسك بالحق يُتهم بالتعصب أو الجنون أو قلة الفهم او التعنت.
صرنا نعيش زمنًا يهرب فيه كثير من الناس من المواجهة باسم “الحكمة”، ويتنازلون عن مبادئهم باسم “المصلحة”. صار قول الحق مغامرة، والدفاع عن النفس مخاطرة. الكل يريد أن يكون مقبولًا، محبوبًا، آمنًا، حتى لو دفع ثمن ذلك كرامته وصوته، أو – بالأحرى – رجولته.
في هذه الفوضى الأخلاقية، يصبح الحديث عن الشجاعة ضروريًا ليس ترفًا ولا خطابة فارغة، الشجاعة اليوم عملة نادرة لكنها لازمة كي نحفظ ما تبقى من معنى الإنسانية والرجولة.
لذلك حين نتحدث عن الشجاعة، فنحن لا نتحدث عن شيء جانبي أو قديم، بل عن جوهر ضروري لنعيش بصدق واحترام في هذا العالم مزدوج المعايير، الذي يزداد التواءً يومًا بعد يوم، حتى أصبح مشوَّهًا وبغيضًا.
يظن كثيرون أن الشجاعة مجرد كلمة سهلة او صفة عادية تُقال على ألسنة الناس، لكنها في الحقيقة معدن أصيل، لا يتوفر في كل رجل، ولا تلمحه في كل المواقف. الشجاعة ليست تهورًا، ولا هي صخبًا فارغًا، لكنها قدرة الشخص على مواجهة المواقف الصعبة بقلب ثابت وعقل حاضر ونية سليمة.
اليوم، لو تأملت حال الناس حولك، ستكتشف أن الشجاعة أصبحت نادرة. كثيرون يختبئون وراء الأعذار والتبريرات، ويتفننون في تلوين خوفهم بأسماء أخرى: “حكمة”، “اتزان”، “مصلحة”. بينما الحقيقة الواضحة أن الجبن تمدد كالنار في الهشيم، حتى صار عاديًا مقبولًا، ومبررًا بكل معاني التبرير والمنطق – الذي قطعًا هو منطق مزيف وبخس.
انظر مثلًا إلى الموظف الذي يرى خطأً جسيمًا في عمله، لكنه يسكت خوفًا على لقمة عيشه. أو إلى الرجل الذي يعرف أن حقه يُؤكل أمام عينيه، ولا يرفع صوته لاسترداده. أو ذاك الذي يتهرب من قول كلمة الحق في بيته، أو مع أولاده أو بناته، وليس لديه القدرة على منعهم من تصرفات عدة ابرزها ارتداء زي غير محتشم مثلا ،، والكثير والكثير من الأمثلة التي لا حصر لها في الحياة اليومية،، أين الشجاعة؟ أين الرجولة التي نرددها في شعاراتنا ونتغنّى بها في كل مكان؟
لا رجل بلا شجاعة. هذه قاعدة بسيطة. قد تحب أن تُظهر نفسك هادئًا أو حكيمًا أو صبورًا، لكن لو لم تملك شجاعة قول ما تؤمن به، والدفاع عن نفسك ومن تحب، فأنت مجرد صورة لرجل، لا الرجل ذاته.
الشجاعة لا تعني أن تصرخ في وجه الناس أو تصنع المعارك كل يوم. لكنها تعني أنك تقف ثابتًا حين يأتي وقت يستوجب فيها النطق بكلمة حق. أنك لا تفر من الموقف الصعب، ولا تخاف من الخسارة إذا كانت الخسارة ثمن كرامتك.
في حياتنا اليوم، صار الجبن يتخفى في ثياب كثيرة: التراجع عن المبادئ بدعوى “المصلحة”، المسايرة خوفًا من النقد، الصمت الذي يقتلك من الداخل بحجة “الهدوء”. كل هذا ليس إلا عجزًا عن المواجهة وأن تكون رجلاً حقيقياً عندما يستوجب الموقف ذلك.
إن الرجل الذي يريد أن يعيش كاملًا، بكرامة وصدق، لا بد أن يخلع عن نفسه رداء الخوف. لأن الخوف يأكلك قطعة قطعة، حتى تصير شيئًا هشًا، لا وزن له ولا اعتبار ولا قيمة.
الشجاعة اليوم عملة نادرة، لكنها ما زالت ممكنة لمن يصدق مع نفسه. أن تقف في وجه الظلم، أن ترفض الإهانة، أن تقول: “لا” حين يلزمك أن تقولها، أن تتحمل نتيجة مواقفك مهما كانت.
هكذا فقط تكون رجلًا حقيقيًا. فالرجل شجاع. ومن لم يعرف الشجاعة، عاش عمره يختبئ خلف ستار واهٍ من التبريرات الكاذبة .. فالشجاعة ليست رفاهية، بل ضرورة لكي تحيا .. لا أن تعيش.
الشجاعة هي أن تكون حرًّا..
الكاتب والشاعر / أيمن حسين
مدير عام الإعلام
جهاز تنظيم أنشطة سوق الغاز