المسكوت عنه في حجب الترقية

يأتي تحليل الأحداث أهم عادةً من حدوثها، لأن التحليل يصبح على أرض واقعها وحقائق لا تحتمل التأويل. ومما لا شك فيه أن حدث الترقيات السنوي لموظفي البترول هو من الأحداث الكبيرة التي يصعب الوقوف أمامها دون تحليل لمضمونها وما ينتج عنها من تأثير.
ذكرنا سابقًا في تحليل سريع عن شكل وأسماء الوظائف التي أصبحت أكثر تفصيلًا وبشكل كبير، وتطرقنا إلى العديد من ظواهرها الأخرى. ولكن ما لم يتم التطرق إليه، وما تتحاشى معظم الأقلام الخوض فيه، هو أسباب حجب الترقية عن العديد من المرشحين، بسبب واضح أو بدونه.
وهذه النقطة تحديدًا تختفي خلف باب كبير من الصمت والحذر، فلا أحد يريد المغامرة باستثارة المشاعر أو الدخول في تفاصيل وتبريرات هو في غنى عنها. وبلا شك يجد المرشح المستبعد نفسه أمام حائط عالٍ، وينزوي في إحباط منتظرًا المحطة القادمة للقطار، ربما تأتي بجديد.
ومن المفهوم أن عملية الترقية هي منظومة قوامها سنوات الخبرة والسيرة الذاتية والسمعة الشخصية، ثم بعض الإجراءات التنظيمية الأخرى وموافقات بعض الجهات الخارجية. وإلى هنا فالموضوع طبيعي، وهي إجراءات تسري على الجميع بلا استثناء، لكن تظل تصرفات الظل هي ما تؤثر بالسلب على اكتمال هذا القرار وحجبه.
وأهم ما في هذه الغرفة المظلمة هو ترشيح الشركة المعيب والتلاعب في ذلك، وهم على دراية بأنه غير صحيح أو غير مناسب، بهدف غير معلن أن يكون الرفض من جهة السلطة المختصة، وتبقى إدارة الشركة بعيدة عن مرمى الانتقاد ومطالب الموظف، وهو ضعف إداري خطير تعاني منه قيادات كثيرة.
ويأتي السبب الثاني في السمعة غير الطيبة؛ فلا يمكن لمرشح يمارس جهوده الهدامة ويفلت من كل عقاب بذكاء ويستغل منصبه بشكل غير لائق، ثم يُصاب بالحسرة عند حجب الترقية عنه، وكأنه يعيش بمعزل عن العالم، أو كأنه لا يعلم أن كل ما يقوم به مرصود بشكل أو بآخر، ويكفي أن يُوصم بأن عليه علامات استفهام.
أما السبب الثالث، وهو يبدو أكثرها أهمية وأعمقها تأثيرًا، فهو الشكاوى الكيدية التي يتفنن فيها الزملاء بعضهم في بعض، رغم ظاهر العلاقة الطيبة، وهو مرض اجتماعي خطير. وتأتي هذه الشكاوى لتُدخل الجهات الخارجية في حيرة لتقصي حقيقة الموقف أو الشكوى وصحتها، مما قد يؤخر إصدار الموافقات أو يؤجلها إلى أجل غير مسمى.
هذه هي الأسباب المسكوت عنها في تلك الغرفة المظلمة التي لا يريد أحد فتح أبوابها، وتظل مكنونًا للكثير من المفارقات، وبعض الظلم، وكثير من الاستهانة بمستقبل الناس ونفسياتهم.
وفي النهاية، هذه ثقافة مجتمع نعيش فيها، وعلينا أن نتقبلها ونكون أكثر حذرًا وذكاءً، وأن نعرف أننا البلد الوحيد الذي لا تحتاج فيه الجريمة أو المخالفة إلى شرطة سرية لكشفها، لأننا نتحدث عما نراه أو نسمعه دون أن يطلب منا أحد ذلك.
لذلك، فمن يخالف ويتلاعب عليه أن يعرف أن خياراته محدودة، ودواعي حجب الترقية عنه أكثر من دواعي حصوله عليها.
أما العوامل الأخرى، فالحقيقة الدامغة هي أن لا ظلم يدوم، وأن الحقيقة لابد أن تنجلي، وأن اليقين في العدالة الإلهية هو الملاذ الآمن والأخير.
#المستقبل_البترولي