الخميس 13 نوفمبر 2025 الموافق 22 جمادى الأولى 1447

وائل عطيه يكتب: حادثة جهاز الحفر رقم (٤٨) استثناء في صناعة لا تعرف التوقف

406
المستقبل اليوم

لم يكن حادث سقوط برج جهاز الحفر رقم 48 التابع لشركة الحفر المصرية في منطقة امتياز شركة عجيبة بالصحراء الغربية مجرد واقعة تشغيلية عابرة، بل مشهداً صادماً يعيد التذكير بطبيعة العمل في صناعة تُعدّ من أكثر الصناعات خطورة وتعقيداً في العالم. ورغم صعوبة المشهد، فإن قراءة الحدث بميزان الخبرة والمعرفة تكشف أن ما جرى – على فداحته – لا ينتقص من صلابة قطاع البترول المصري ولا من احترافيته، بل يؤكد حجم التحديات التي يعمل تحتها آلاف الرجال يومياً في حقول الإنتاج البرية والبحرية.

فالحفر ليس عملاً ميكانيكياً عادياً، بل منظومة عالية المخاطر، تحكمها قواعد هندسية صارمة، وتحيط بها ظروف جغرافية وجيولوجية معقدة ومتغيرة، ومعدات ضخمة يصل ارتفاع بعضها إلى عشرات الأمتار. 
ورغم الالتزام الصارم بإجراءات السلامة، فإن احتمالات العطل المفاجئ أو الانهيار الهيكلي أو الخطأ البشري تظل واردة في كل الصناعات. وقد شهدت عمليات الحفر تاريخياً عشرات الأمثلة، من انهيار أبراج الحفر او المعدات اثناء العمليات او النقل بين الابار او مناطق الامتياز المختلفة.

لكن الحادث الأخير جاء ليبرز أيضاً جانباً آخر في غاية الأهمية: سرعة استجابة قطاع البترول المصري، وانضباط منظومة الطوارئ، والتعامل الطبي العاجل مع المصابين، حيث غادر اثنان منهم المستشفى بعد استقرار حالتهم، بينما يخضع الثالث للعلاج والمتابعة. هذا الأداء يعكس يقظة المنظومة وليس ضعفها.

في قلب هذا الحدث، يبرز اسم المهندس أسامة كامل، رئيس مجلس إدارة شركة الحفر المصرية، باعتباره أحد أكثر القيادات دراية وخبرة في مجال الحفر داخل مصر والمنطقة. بدأت تجربته المهنية في تسعينيات القرن الماضي، وامتدت عبر محطات بارزة من علي سبيل المثال لا الحصر قيادة عمليات الحفر المعقدة في شركة خالدة للبترول لسنوات طويلة ثم إدارة عمليات شركة سينوثروة وتحقيق توسعات مهمة في أسطولها، وصولاً إلى قيادته شركة الحفر المصرية، الشركة التي تعد الذراع الوطنية الأولى لأعمال الحفر وصيانة الآبار.

هذه الخلفية المهنية لم تُبن على المناصب، بل على مدرسة عملية حقيقية شملت مواقع الحفر المختلفة وقسوة الصحراء والتعامل مع المخاطر المباشرة، وفهم تفاصيل كل عملية فنية واسرار كل معدّة من معدات الحفر المعقدة. لذلك اكتسب الرجل سمعة راسخة في الانضباط الفني، وإدارة المخاطر، واحترامه الكامل لمعايير السلامة.

وقد تأسست شركة الحفر المصرية عام 1976 كشراكة بين الهيئة المصرية العامة للبترول وشركة ميرسك، ومنذ ذلك التاريخ أصبحت المقاول الرئيسي للحفر في مصر. وتطوّر أسطول الشركة عبر العقود ليضم اليوم أكبر عدد من الحفارات البرية في البلاد إضافة إلى حفارات بحرية تعمل في مصر وخارجها، خصوصاً في السعودية.

وتُعد الشركة لاعباً محورياً في إنجاز عمليات حفر وصيانة الآبار في أغلب حقول البترول المصرية، حيث تسهم في تنفيذ مئات الآبار سنوياً، ويمثّل أداؤها عنصراً أساسياً في خطة الدولة لزيادة الإنتاج المحلي من الزيت والغاز.

الحوادث – مهما كانت موجعة – لا تُقاس فقط بوقوعها، بل بكيفية إدارتها، وبالقدرة على تعلّم الدروس وتطوير المعايير. وقد وجّه وزير البترول بتشكيل لجنة تحقيق رسمية، وهو إجراء يؤكد الالتزام بالشفافية، ويهدف إلى تعزيز قواعد السلامة وليس البحث عن مبررات.

إن ما يجب أن يفهمه الرأي العام هو أن صناعة البترول عالمياً قائمة على تحدي الخطر. كل بئر تُحفر هي تعامل مباشر مع الضغط، والحرارة، والوزن، والعمق، والظروف غير المرئية. ورغم ذلك، تواصل هذه الصناعة عملها بلا توقف، لأنها ركيزة من ركائز الاقتصاد الوطني.

إن التضامن مع شركة الحفر المصرية وقيادتها وعمّالها في هذا الحادث هو واجب مهني ووطني. الحادث مؤلم، لكنه لا يختزل تاريخ الشركة ولا خبرة رجالها، ولا يقلل من مكانتها كأحد أعمدة قطاع البترول المصري. بل لعلّه يصبح محطة جديدة للتطوير، وتأكيداً لأن السلامة – مهما كانت مكلفة – تظل دائماً الاستثمار الأهم في هذه الصناعة الحيوية.




تم نسخ الرابط