د أمير صالح يكتب: حين يموت العيش والملح وتنكشف الخيانة
في زمن كان احترام العشرة فيه أصلا ثابتا وكانت لقمة العيش والملح أكبر من أي خلاف أو اختلاف أصبحنا اليوم نرى هذه القيم تموت أمام أعيننا تتلاشى كما تتلاشى الذكريات القديمة.
العيش والملح الذي كان رمزا للوفاء صار مجرد جملة تقال لا وزن لها ولا حرمة في قلوب كثيرين.
بين زملاء العمل سقطت الأقنعة قبل أن تسقط الأقلام في بيئة العمل التي من المفترض أن تبنى على التعاون والاحترام أصبح العيش والملح كلمة لا تعني شيئا
زميل جلس معك سنوات على نفس المكتب شاركته تعب الأيام وضغط العمل فإذا به أول من يبيعك عند أول فرصة واخر كنت سندا له فتجده ينسى جميلك ينسى نصيحتك وينسى العشرة التي جمعتكما وكأن السنوات بينك وبينه لم تكن وثالث يبتسم في وجهك صباحا ويكتب فيك أسوأ تقرير في المساء
لم تعد العلاقات المهنية قائمة على الاحترام ولا على العشرة بل أصبحت قائمة على مصلحة عابرة تنتهي عند أول مكسب أو أول صعود في السلم الوظيفي.
أما بين الأصدقاء فالطعنة أعمق وأقسى
الصداقة التي كانت تبنى على المودة وسنوات من المواقف أصبحت اليوم هشة يسهل كسرها ويسهل إنكارها صديق العمر الذي عرف أدق أسرارك يصبح أول من يبتعد عند أول اختلاف ومن حملته فوق كتفك يوما تجده اليوم لا يرى معروفك ولا يتذكر جميلك ومن أكل معك وأكرمته هو نفسه الذي قد يتحدث عنك بغير حق دون أن يرتجف له جفن.
لم تعد العشرة تقاس بعدد السنوات بل بعدد المواقف والمواقف أصبحت تظهر أن الكثير ممن كنا نظنهم "أصدقاء" ما كانوا إلا عابرين.
ومع كل ذلك يبقى هناك من حفظ الأصل
رغم كل سقوط وكل خيانة وكل إنكار جميل يبقى هناك القليل وهم "نادرون" من أصحاب الأصل الطيب والتربية الصالحة هؤلاء يحفظون اللقمة ويصونون العشرة ولا يبيعون المروءة مهما ضاقت بهم الدنيا أو اتسعت ويعرفون أن العيش والملح "حرمة" وأن خيانته عار لا يمحى
وجود هؤلاء هو ما يجعلنا نؤمن أن الخير ما زال قائما وأن الوفاء لم يمت وإن قل عدد من يحمله وليس كل من جلس إلى مائدتك يستحق ثقتك ولا كل من وقف بجانبك يوما يحفظ العيش والملح الذي جمعكما.
العلاقات لم تعد تقاس بالكلام بل بالفعل والأصل لم يعد يكشف بالسنوات بل بالمواقف في زمن كثر فيه الزيف ابحث عن القليل الصادق فهم وحدهم من يجعلون للعيش والملح قيمة لا تشترى ولا تباع.