الثلاثاء 09 ديسمبر 2025 الموافق 18 جمادى الثانية 1447

د جمال القليوبي يكتب: توقعات بتهاوي أسعار النفط بحلول ٢٠٢٦

106
المستقبل اليوم

يبدو أن العام الجديد قد يحمل الكثير من التوقعات الصادمة لكل منتجي النفط عالميًا، سواء داخل منظمة الأوبك أو الأوبك بلس أو حتى ما يعرف بتكتل “أوبك الظل”. فالجميع يعتقد أن استمرار الطلب الحالي على النفط سيُبقي الأسعار عند مستوياتها القائمة حتى الدخول إلى عام ٢٠٢٦، غير أن المتغيرات الاقتصادية والجيوسياسية والسياسية المرتقبة قد تفرض مسارات مختلفة تمامًا على أسعار النفط خلال العام القادم.

واللافت هنا أن خيارات الأوبك والأوبك بلس أصبحت شديدة الضيق، ولم يعد أمامها سوى خفض الإنتاج لامتصاص التخمة في المعروض والحفاظ على توازن العرض والطلب، وفقًا لسياق التقارير الشهرية والربع سنوية التي تصدرها المؤسسات الائتمانية العالمية، والمتابعة شبه الشهرية لأعضاء التكتل لرصد تطورات الأسواق واتخاذ ما يلزم تجاه سياسات التسعير.
إلا أن هناك شواهد جديدة لم تكن في الحسبان، أبرزها سياسة التحوّط والتخزين التي انتهجتها كلٌّ من الصين والهند، حيث عمدتا إلى تخزين كميات هائلة من النفط المستورد تكفي لستة أشهر في الصين وخمسة أشهر في الهند، دون شراء إضافي، مما منحها قدرة أكبر على اختيار توقيتات الشراء وممارسة تأثير مباشر على الأسعار من خلال التحكم في وتيرة الاستيراد، وهو ما يربك حسابات الأوبك على الدوام.

أما الشاهد الثاني، فهو ارتفاع القدرة الإنتاجية اليومية للولايات المتحدة من النفط الخام إلى مستويات ١٣.٥ مليون برميل يوميًا، مع استهداف الوصول إلى ١٥ مليون برميل خلال الربع الأول من ٢٠٢٦. هذا التطور ينعكس على خفض مستويات الاستيراد الأمريكي إلى ربع ما كانت تستورده في عام ٢٠٢٤، وصولًا إلى مخطط لوقف كامل للاستيراد منتصف العام القادم.

الشاهد الثالث، ذو التأثير السلبي على الأسعار، يتمثل في التداعيات الجيوسياسية، وعلى رأسها الحرب الروسية–الأوكرانية التي تقترب من نهاية عامها الرابع دون أي مؤشرات للحل، بل تتسع رقعتها يومًا بعد يوم. يضاف إلى ذلك التوتر في بحر اليابان بسبب التهديدات الصينية لتايوان، وردود الفعل اليابانية تجاه الصين، فضلًا عن الصراع القديم–الجديد بين دونالد ترامب ونيكولاس مادورو، حيث تستمر العقوبات الاقتصادية وتُفرض قيود على صادرات النفط الفنزويلي، وتُقطع خطوط التمويل، بل وتُصنّف شخصيات ومجموعات في الحكومة الفنزويلية كـ”إرهابية” أو مرتبطة بتجارة المخدرات. والهدف الظاهر هو الضغط لتغيير السياسات، بينما الهدف غير المعلن هو إنهاك الاقتصاد وإضعاف النظام تدريجيًا.

كما يتفاقم المشهد في أمريكا اللاتينية مع ما يُثار حول “مشروع مونرو الجديد” الذي صرّح به الرئيس الأمريكي ترامب، بهدف بسط السيطرة على نصف الكرة الغربي تحت ستار مكافحة الإرهاب والمخدرات. إلا أن الهدف الخفي هو استعادة الهيمنة على أمريكيا الجنوبية والشمالية، أي “الفناء الخلفي” للولايات المتحدة. هذه التحركات من شأنها دفع الاقتصاد العالمي نحو حالة ركود تتأثر بها قطاعات استهلاك الطاقة، وفي مقدمتها النفط والغاز.

يضاف إلى ذلك تجارة النفط في الخفاء التي تمارسها دول تكتل الظل بعيدًا عن آليات منظمة الدول المصدرة للنفط، حيث تقوم دول مثل البرازيل وأنجولا والسنغال وإندونيسيا وغينيا الاستوائية بالبيع المباشر في الأسواق العالمية دون ضوابط في الأسعار أو الكميات، مما يضيف إلى السوق تخمة تتراوح بين ٣.٥ إلى ٤ ملايين برميل، تدفع بالسعر إلى أقل من ٦٣ دولارًا للبرميل.

هذه الشواهد التي عرضتها، وأعادت تقييمها العديد من المؤسسات العالمية مثل إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، و”وود ماكينزي”، و”ماكواير”، تشير بوضوح إلى أن عام ٢٠٢٦ قد يشهد تراجعًا كبيرًا في سعر البرميل ليصل إلى ٥٠ دولارًا، وسط ظروف قد تجعل الأسعار غير مستقرة وغير قابلة للاعتماد على آليات الأوبك والأوبك بلس.

والأقرب توقعًا أن تلجأ العديد من الاقتصاديات الكبرى إلى سياسة التخزين لملء مخزونها بأسعار منخفضة، بما يضمن استقرارًا اقتصاديًا بعيدًا عن تقلبات الأسعار وتأخر الشحنات.

ومن هنا أرى أن هناك فرصة حقيقية أمام الاقتصاد المصري لإعادة تقييم آليات التخزين الاستراتيجي للنفط الخام بكميات كبيرة، تتيح الوصول إلى فترات اكتفاء تتجاوز أربعة أشهر، بما يضمن تأمين الوقود وتقليل الاعتماد على العملة الصعبة المستخدمة في الاستيراد… وللحديث بقية.




تم نسخ الرابط