للاعلان

Sat,20 Apr 2024

عثمان علام

كلمتين ونص…رحلت أمي ومعها كل الأشياء

كلمتين ونص…رحلت أمي ومعها كل الأشياء

الكاتب : عثمان علام |

11:07 am 30/10/2021

| رئيس التحرير

| 3167


أقرأ أيضا: الملا واحمد محمود يرافقان رئيس الوزراء في جولته بمصنع "موبكو" بدمياط


إذا أردت أن تعرف معنى الأم ، فلا تسأل الشعراء ولا الكُتاب ولا المُحدثين ولا المتكلمين ، أسأل الثكلى والحزاني والمكلومين الذين فقدوا الأم ، فما سطر كاتب كلمة عن الأم واعجبتك إلا لأنه ذاق مرارة الفراق ، ولا تفوه شاعر بكلمة عن الأم إلا لأنه تجرع الهجران ، ولا أتقن ممثل دوراً عن الأم إلا لأنه عاش ألم الرحيل .

 

منذ عامين ونصف ، فقدت أبي وكان فقداً عزيزاً غالياً مؤلماً ، فقد نهضت وأنا جالساً اتلقى نبأ الرحيل فوجدت ظهري لا يقوى على أن ينتصب ، وطيلة هذه الفترة اتلمس ملامح وكلامات ورائحة أبي في كل مكان ، كُنت أظن أنه لن يبلغ بي الحزن مبلغه بعد ذلك ، لكنه كان حزناً على شخص أبي ، ليس على ركناً كان يجلس فيه ولا جماعة كان يصطحبهم ، ولا منديلاً كان يجفف به عرقه .

 

وعندما ماتت أمي وجدت الحزن يسكن كل الأركان ، ها هي الأشياء لم يعد لها قيمة بعد أمي ، فقد لملمت حاجاتها وأشيائها ورحلت ، تركت بضع قصاصات من رائحتها ، لكنها أخذت معها الإحساس بهذه الرائحة والقصاصات .

 

تعودت منذ رحيل أبي أن لا أتركها وحيدةً قدر المستطاع ، كنت أهاتفها يومياً أو ربما كل يومين ، لو تأخرت كانت توبخني توبيخ المُحب لحبيبه والرفيق لرفيقه ، "لماذا غبت عني كل هذه الفترة"؟ ، كان اليوم الزائد عن المعتاد بالنسبة لها وقت طويل ، ربما كانت تعتبرني السند ، لكني أعتبرها الحياة .

 

كُنت انفذ معنى البر قدر استطاعتي ، قد لا أكون مدركاً معنى الحب الذي في قلبها ولا لمعة النور في عينها عندما تراني ، وأني لي أن ادرك ذلك ، فأنا كغيري من الأشخاص الذين لا يدركون قيمة الأشياء إلا بعد فقدها ، وأمي لم تكن مجرد أشياء ، فقد كانت كل الأشياء والحاجات ، كل الأمل والحياة ، كل الرضا والحب ، كل الحركات والسكنات .

 

منذ كنت صغيراً ، كانت أمي تعتبرني شيئاً نفيساً تقتنيه ، كم من قطع اللحم كانت تلقمني أياها صغيراً ، تناديني فأذهب إليها أجدها تخبئ قطعة أو قطعتين بعيداً عن الأعين وتضعهم في فمي .

 

أعترف أنني كنت قاسياً بعض الشيئ وأنا في سن الخامسة عشر أو أقل ، كنت أزعل ولكني لا أغضب منها ، اختار لنفسي ركن ، وألفح نفسي بالغطاء ، أجدها تأتي اليَّ تصالحني ، كم من المرات فعلتي هذا يا أمي !.

 

كان حنوها عليَّ ليس حنواً عادياً ، فقد عاشرت الكثير من الأصدقاء ، لم تكن معاملة أمهاتهم لهم كمعاملة أمي لي ، كنت أظن في هذه الفترة أن السبب في ذلك أنني الولد الوحيد ، لكن بعدما كبرت زاد شغفها وحبها وحنوها أكثر وأكثر .

 

كيف أنسى أنها كانت تدفع لي مالها لاشتري حاجاتي عندما دخلت الجامعة ، كنت بين الأصدقاء مستوراً بفضل سخائها وكرمها معي ، لم تدخر جهداً لتسعدني به .

 

عندما كبرت ، ظننت أن هناك دين لابد من رده لأمي ، تباً لي ، كيف أظن ذلك ، وهل كانت تنتظر مني شيئ ؟، كل ما فعلته كان حباً خالصاً مجرداً من أي غرض ، وهكذا الأمهات ، يدفعن بما لديهن من مال وحب وحنو وعشق دون طلب الرد ، غير أن طبيعة الحياة هكذا .

 

الإنسان لا يستشعر هذه الأشياء ، إلا بعد أن يصبح أباً ، فأنا أفعل مع أولادي مثلما كان يفعل أبي ، مع اختلاف الزمن والامكانيات ، زوجتي تفعل مع أبنائي مثلما كانت تفعل أمي معي ، أه لو يدرك الجميع كم هي غالية الأمومة !.

 

تخيل أنك تهاتف وتزور وتصافح والدتك ، من باب الواجب الذي لا مفر منه ، بينما هي تفعل نفس الأشياء بطريقة أخرى ، طريقة ليست كطريقتك ، حباً ليس كحبك ، عطاءً ليس كعطاءك .

 

عندما كنت أسافر لأسيوط للاطمئنان عليها ، كانت تهاتفني طوال الطريق "400" كيلو متر لا ينقطع حديثها "أنت فين دلوقتي وصلت فين خلي بالك على مهلك وأنت سايق"، وكأني طفل صغير ، أنا هكذا كنت في نظرها ، هي لا تعرف أنني كبرت ، أنا بالنسبة لها لازلت ذلك الطفل الذي كانت تحمله على كتفها وتطعمه وتسقيه وترضعه ، الزمن عندها لا يتحرك بالنسبة لي .

 

ودعتها يوم الأربعاء ، ومن فضل الله وكرمه أنني ذهبت إليها قبل رحيلها ب4 أيام ، ظللت بجوارها ، لم أكن اتخيل أنها راحلة ، كنت أظن أن يومين أو ثلاثة وستنهض واصطحبها معي للقاهرة ، لم أدرك أن امتنعاها عن الطعام كان بمثابة توديعها للحياة ، اللحظات الأخيرة في حياتها ، قولت لها سأشتري لكِ غرفة نوم جديدة ، هذه قد عفا عليها الزمن ، مضى عليها أكثر من أربعون سنة ، نظرت اليَّ "لكني سأموت". 

 

رأيت روحها الطاهرة وهي تصعد للسماء ، سرعان ما سكتت وخلدت للنوم بلا رجعة ، توقفت عن الأنين وصراخ الألم ، فارقت ، كيف لكِ يا أمي أن ترحلي !، أنا لا زلت أظن أنها خلدت للنوم لساعات ، سرعان ما تستيقظ وأسمع انينها ، أناولها جرعات العلاج التي جاءت للتو ، لم تأخذ منها جرعة واحدة ، كان الموت أسرع .

 

أركان البيت بعد توقف قلبها عن النبض باتت غريبة ، كيف لي أن أتجول فيه بعدك يا أمي ، ومن الذي سيحضر لي الطعام وينظف لي هدومي لو ذهبت إلى هناك ؟، من لي بعدك وقد أغلقت كل الأبواب ، ومن سيظل معي أنيساً وصاحباً في رحلتي لأسيوط ؟، وماذا عن أشياءك الموزعة فى الأركان ؟نظارتك وساعتك وجلبابك وحذائك ومناديلك ، ماذا عن الصبية الصغار الذين كانوا يغمضون أعينهم على أمل أن تطعميهم فى الصباح ، وماذا عن هاتفك الذي توقف عن الرنين ؟

 

ها قد تركتي حاجاتك ورحلتي وتركتيني بدون أم ، وماذا عن هدية عيد الأم ، لمن سأهديها بعدك ؟، يا أمي لقد كنتي الحنان والراحة والهناء والأمل ، كنتي كل جميل في حياتي ، بل كنتي الحياة وها قد رحلتي ، رحلتي يا أمي وأخذتي معك كلّ شيء وأصبحت أحيا بانتظار أن أقابلك ، فلا يسأني أحد عن أخباري ولا عن أحوالي ، فلم أعد أنا ذلك الطفل الذي يسأل أمه "أحقاً إذا مر الزمان سنكبرُ ، فقد كبرت وبت يتيماً منذ أربعة أيام  .

أقرأ أيضا: مصر تبحث مع "هندوجا" الهندية التعاون لتوطين صناعة السيارات الكهربائية

التعليقات

رفعت احمد عبد الخالق

2021-10-30 14:17:51

البقاء لله ربنا يصبرك يارب ويرحمها ويلحقها وايانا بالصالحين.


محمد ابو العطا

2021-10-30 12:34:45

الف رحمه ونور عليها اللهم اغفر لها وارحمها واسكنها فسيح جناتك مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا


أستطلاع الرأي

هل تؤيد ضم الشركات متشابهة النشاط الواحد ؟