للاعلان

Fri,29 Mar 2024

عثمان علام

أشرف زغدان يكتب: الإبتسامة المفقودة

أشرف زغدان يكتب: الإبتسامة المفقودة

09:10 pm 10/03/2023

| رأي

| 1288


أقرأ أيضا: انبي بطل العرب لتنس الطاوله للمره الثانية على التوالي

أشرف زغدان يكتب: الإبتسامة المفقودة 

 

ايلي بني مصر كان في الاصل حلواني .. وعشان كده مصر ياولاد .. حلوه الحلوات.

 

هل تذكرون تلك المقدمه لرائعه العمل الدرامي (بوابه الحلواني) والذي آرخ لفتره مصر المحروسه إبان حفر قناه السويس.  

 

لماذا لم يدر بخلد مؤلف العمل ان يربط بناء مصر بأي مهنه اخري لها علاقه بالبناء ؟ 

 

فالبناء له كوادره وخبراته المعروفه لنا جميعا.  ولكنه وجد ضاله فكره فاختار لها مهنه الفن والذوق والطعم الجميل الذي يجلب السعاده والهناء . 

فالحلواني عاده انسان حساس ذو ذوق عال يتميز بالنظافه المفرطه والدقه في العمل وابتسامته البشوشه التي تجذب الناس الي بضاعته. ولا يجاريه في هذا الا صائغ الذهب وكلا الصنعتين هي محراب الجمال والذوق والدقه . 

 

المصريون بمختلف طوائفهم هم من بنوا مصر وجعلوها هي كما هي  . 

لم يتغير المصريون حتي في غربتهم عن عشقهم لطبيعه بلادهم ذات المذاق الذي لا يدركه سواههم. لم ينبهر المصريين ابدا بناطحات السحاب ولا تلك المكعبات الزجاجيه التي شاهدوها في عملهم في كافه اصقاع الارض . فعندما يعود تراه مهرولا الي ارضه الخضراء وشجرته المفضله وترعته القديمه. 


مصر في المقام الاول هي الانسانيات منذ زمن الفراعين وما تركوه من كنوز فنيه تفوق اي كنوز اخري الي ان وصل المصري لحاضره واستمر في ابداعه في كافه مناحي حياته من دين وادب  وفن وثقافه وتاريخ وعادات وتقاليد و يقدس اهل البيت  ويجلهم ويتبرك بهم ويلتمس شفاعه السيده العذراء في كل ما يهتم به ويهمه ولا تسري حياته بغير ذلك .كل هذا تجمع في بوتقه واحده اسمها مصر المكان . 

 

لم يستطع الاستعمار الانجليزي بكل جبروته ان يجعل المصريين يتقنو لغته حتي الان. 

لم يتأثر المصريون بالحمله الفرنسيه علي ما حملته معها من كافه العلوم والثقافات لتسيطر علي المجتم المصري وتنطلق منه الي كافه انحاء الشرق. 

المصريين لهم طبع خاص يجعلهم غير قابلين للذوبان في مجتمعات اخري . فعندما تسمع ضحكه ساخره مجلجله  في اي من مطارات العالم فأعرف ان هناك مصري علي سفر معك! 

 

لم يكن هدف اي غريب او زائر او سائح الي مصر  ان يجول في البنايات العاليه والجو المعبء بأزيز اجهزه التبريد وما تقذف به من حمم . ولكنه يأتي ناشدا البساطه والتعامل مع المصريين علي سجيتهم وان يأكل مما نأكل وان يزور اولياء الله وان يري حواري نجيب ومقاهي العظماء السابقين بما فيها من عبق مثير للشجون والذكريات  . 

 

تراه يجلس في ساحات المساجد العريقه او ان يزور الكنائس العتيقه. يري الحياه علي بساطتها وتلك البساطه  التي تأتي من الرضا والقناعه وحب العمل وجلب الرزق وهي من اجمل النعم التي حظيت بها هذه البلاد. 

 

اذا الانسان المصري هو مصر الحقيقيه . فلن تزيد مصر او تنقص بمبني هنا او معمار هناك فكلا سيأتي ولكل موعدا ومقاما .  

 

ولكن مصر ستذهب اذا ذهب المصريون . اذا فقد المصريون الهويه التي تميزو بها عبر تاريخهم الطويل في ممر هذا الوادي العتيق . اذا فقد المصريون الوداعه والسكينه مع انفسهم ومع غيرهم . اذا فقدو الحس الانساني  والثقافي والديني  المعروف عنهم  . اذا فقدو الابتسامه والضحكه المجلجله.. اذا نسو زياره اهل البيت والاماكن المقدسه . اذا تناسو العادات والتقاليد الاصيله ممتده الجذور  والفروع. 

 

دعو مصر للمصريين .. فلن تضيع مصر ابدا وبها شعب يعشق ماؤها وترابها . هذا الشعب يعرف كيف يصرف اموره ولا تكسر له قامه ولا يعطي بالا لكل هذه التعقيدات التي نراها في العالم من حولنا بل ازيد بأنه لا يدري عنها ولا يرغب   .هذا الشعب تكفيه الابتسامه وان يكون في حاله مزاجيه سعيده  وان يعيش ببساطه ولا يمكن لأي باحث او حتي خبير يعرف كيف يدبر المصري امره . 

 

ولكن عندما استدعينا كل حديث ومستحدث من الغرب والشرق  وفقدنا بساطه ورقه الحلواني وجدنا انفسنا غرباء في بلدنا وفقدنا الابتسامه وتكالبت علينا الهموم . 


اصبحنا نأكل افخم المأكل ونجلس في قصور وفيلات وتجد الجميع شارد وكل له هم يكفيه . استخدمنا احدث السيارات فتكالبت علينا هموم مصروفاتها وزحامها . 

 

وهكذا في كل مناحي حياتنا دخلنا دائره جهنميه لا فكاك منها . ومن المثير للسخريه ان كل ما ترنو  اليه من سبل المتعه والراحه هو اكبر عامل لتوترك  وهمومك وفقدك للأبتسامه في حياتك. 

 

عندما فقدت مصر الحلواني الهادئ البشوش ذو الصنعه والحرفه  ضاع مذاقها وبهتت هويتها واصاب الناس الوجوم والخوف من المستقبل . 

 

قد يقول قائل هذه هي الحياه الأن ولا يمكن ان نكون بمعزل عنها .. نعم ولا ريب ولكن ما الذي يدفعك الي محاوله الحصول علي كل شئ علي مدار  عمرك؟ . اذا كان التطور من حولك متسارعا فلا بأس ان نكون اقل سرعه في هذا التغيير حتي لا نجد انفسنا نركض في طريق لا نهايه له الا الموت . عندها ستدرك انك فقدت المتاح والمنشود علي السواء. 

 

دع وتيره حياتك ملك لك ولا تتأثر بما يحيطك من متغيرات . احتفظ برضاك ولا تنعي حظك ابدا . احتفظ بعادتك القديمه والمتوارثه احتفظ بكل ماهو جميل نحو ما تعيشه . حاول ان تستعيد قدرتك علي التخلص من كل هذه المستحدثات بما هو متاح لديك وبما يمكن ان يقدمه لك الحلواني البسيط  صانع مصر الحقيقي ولا يغرنك ما تسمعه عن حياه مرفهه هنا او هناك حتي لا تقع في هاويه الاستدانه والقلق. 

 

اكتفي بما تقدر عليه لأن احتفاظك بأبتسامتك اغلي واثمن . 

 

وستظل بوابه مصر .. هي بوابه الحلواني .

أقرأ أيضا: أسعار الذهب تسجل أفضل أداء شهري في 3 سنوات

التعليقات

أستطلاع الرأي

هل تؤيد ضم الشركات متشابهة النشاط الواحد ؟