أيمن حسين يكتب : للإعلام دور ..لو تعلمون عظيم

لا شك أن للإعلام أدوارًا أساسية في تشكيل الوعي المجتمعي ووجهات النظر العامة والقناعات السياسية أو الاجتماعية أو حتى الرياضية، فهو يستطيع بطريقة ما تشكيل جزء كبير من منظور وقناعات المجتمع في جميع المجالات، حيث يلعب دورًا قويًا في توجيه الأفكار وتشكيل الرأي العام ونشر القيم والمبادئ.
في هذه الآونة، أصبح الإعلام ليس مجرد وسيلة لنقل وتداول الأخبار والمعلومات فحسب، بل نستطيع أن نجعله حقًا أداة فعالة لبناء المجتمعات وتحقيق التقدم المعرفي والثقافي، ولكن هل يستطيع الإعلام أن يقوم بهذا الدور بهذه السهولة؟
للإجابة عن هذا السؤال علينا أن ندرك أولًا أن هناك تحديًا كبيرًا يواجه الإعلام يتمثل في انتشار الشائعات والمعلومات المضللة، وهي من الآفات العميقة والأساسية في هذا المجال، مما يضع الإعلام أمام مسؤولية كبرى لمكافحتها.
الإعلام هو النافذة التي يرى من خلالها كل شخص العالم، فمن المفترض أن يقدم لهم صورة شاملة وواضحة دون خلط عن الأحداث والتطورات الجارية بمختلف نواحيها من خلال الأخبار والتقارير والتحليلات، يقوم الإعلام بمد المجتمع بالمعلومات الضرورية لفهم القضايا المحلية والدولية سواء كانت مقدمة له مرئية أو مسموعة أو مقروءة، مما يساهم في بناء وعي حقيقي قادر على إدراك القضايا وفهم الحقائق دون ريب أو ارتباك.
الإعلام أيضًا يلعب دورًا تعليميًا، حيث يعرض برامج تثقيفية تهدف إلى تعزيز المعرفة والوعي في مختلف المجالات، سواء كان ذلك من خلال البرامج الحوارية، أو الوثائقيات، أو الحملات الإعلامية … إلخ. فإن الإعلام يسهم في نشر القيم الإنسانية وتعزيز التفاهم والتسامح والتقارب بين مختلف الفئات الاجتماعية.
ولكن الآن وفي عصر السرعة الرقمية، أصبحت الشائعات تنتشر بسرعة البرق عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الإلكترونية مثل فيس بوك وأكس وإنستجرام والعديد من هذه المنصات.
هذه الشائعات قد تسبب ضررًا أو أزمة أو توترًا ما، إذ يمكن أن تؤدي إلى خلق حالة من الفوضى والقلق داخل المجتمع. هنا يبرز دور الإعلام كحارس أمين على الحقيقة وداعم أساسي لها، حيث يتعين عليه التصدي لهذه الشائعات وكشف الحقائق.
فالإعلام المهني يقوم بدور مهم في التحقق من صدق المعلومات قبل نشرها من خلال تطبيق معايير الصحافة الجادة، مثل التحقق من المصادر وتقديم المعلومات من عدة زوايا. يمكن للإعلام أن يمنع انتشار الشائعات ويضمن أن يصل إلى المجتمع معلومات دقيقة وصادقة وواضحة.
ومن الطبيعي أن يواجه الإعلام المصري، كغيره من وسائل الإعلام في العالم، تحديات متعددة في سعيه للقيام بدوره الأساسي. من بين هذه التحديات أيضًا الضغوط السياسية والاقتصادية التي قد تؤثر على استقلالية الإعلام أحيانًا، بالإضافة إلى التحديات التقنية التي تأتي مع الثورة الرقمية الهائلة.
ولا ننسى أن هناك تحديًا مرتبطًا بمصداقية بعض وسائل الإعلام نفسها، حيث إن انتشار المعلومات المضللة قد يهز الثقة في الإعلام بالكامل، وهنا تكمن أهمية تعزيز المعايير الأخلاقية والمهنية في العمل الإعلامي لضمان أن يبقى الإعلام محل ثقة من الجميع.
فَعنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: “إنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمةِ مَا يَتَبيَّنُ فيهَا يَزِلُّ بهَا إِلَى النَّارِ أبْعَدَ مِمَّا بيْنَ المشْرِقِ والمغْرِبِ.” صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن خلال رصد العديد من المشكلات التي تواجه الإعلام والإعلاميين ولتعزيز دور الإعلام في بناء الوعي المجتمعي بشكل مناسب ومكافحة الأكاذيب والشائعات، هناك عدة سبل يمكن التعويل عليها لوضع الإعلام في مكانته الصحيحة وصورته التي لا بد أن يكون عليها. مثل تدريب جميع من يعمل في مجال الإعلام قبل البدء في نشر أي خبر. فيجب على المؤسسات أن تستثمر في تدريب الصحفيين والإعلاميين على مهارات التحقق من المعلومات واستخدام التكنولوجيا الحديثة في البحث والتحليل والتدقيق قبل نشر أي خبر، حتى ولو كان خبرًا ثانويًا أو غير مؤثر.
ولا ننسى أيضًا التعاون مع منظمات المجتمع المدني لنشر الوعي وتثقيف المجتمع حول كيفية التمييز بين الحقيقة والشائعة وطريقة اختيار الوسيلة ذات الثقة والتفكير جيدًا قبل أن تصدق أو أن تعيد نشر أي معلومة.
وذلك إعمالًا لقوله تعالى في كتابه العزيز في سورة الحجرات:
بسم الله الرحمن الرحيم:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ”. صدق الله العظيم.
وأيضًا لا بد أن تكون الشفافية هي المبدأ العام والأساسي الذي يجب أن تتبناه جميع وسائل الإعلام في نقل الأخبار، وتقديم المعلومة بشكل موضوعي صادق وأخلاقي دون تحيز.
في النهاية، لا نستطيع أن ننكر دور الإعلام في بناء الوعي المجتمعي ومكافحة الشائعات ولا يمكن التقليل من شأنه وأن نعرف جيدًا الحجم الحقيقي الذي يمثله وتأثيره القوي في مجتمع يحتاج إلى معلومات دقيقة وصحيحة وصادقة، فقد أصبح الإعلام الوسيلة الأهم لنقل الحقائق وتعزيز الفهم الصحيح للأحداث وبناء جسور المعرفة التي تفيد في تقدم الأمم وبناء وعيها من خلال الالتزام بالمعايير المهنية والأخلاقية والاجتماعية.
فالإعلام ركيزة أساسية في بناء مجتمع واعٍ مستقر قادر على مواجهة التحديات وتحديد أولوياته التي قطعًا تفيد الدولة والمجتمع. فللإعلام دور .. لو تعلمون عظيم.
الكاتب والشاعر
أيمن حسين
مدير عام الإعلام
جهاز تنظيم أنشطة سوق الغاز