الأربعاء 16 أكتوبر 2024 الموافق 13 ربيع الثاني 1446

أيمن حسين يسأل: هل تعرف شخصًا يتحدث عن زميله بسوء؟

3
المستقبل اليوم

 

هل سألت نفسك يومًا عن عدد المرات التي تحدثت فيها عن زميل لك بسوء؟ في غيابه وأمام آخرين، أو كم مرة تحدث معك زميل لك عن زميل آخر وهو غير متواجد معكم وكان هذا الحديث بشكل سيء أو عن عيوبه أو نواقصه أو انتقده في شيء ما؟  
للأسف، هذا التصرف الذي قد يبدو عابرًا، وربما بدأ على سبيل الدعابة أو التهكم، أصبح من العادات السلبية الشائعة في مجتمعات العمل كافة. لكن السؤال الأكثر أهمية: لماذا أصبح هذا السلوك هو السائد؟ وهل يعكس ذلك تدهورًا في العلاقات الإنسانية بين الزملاء في بيئات العمل؟

في العديد من بيئات العمل، إن لم يكن في جميعها، أصبحت الغيبة والنميمة جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية داخل أروقة المكاتب والغرف المغلقة. نجد من يتحدثون خلف ظهور بعضهم البعض، وأحيانًا يصل الأمر إلى الافتراء وتضخيم العيوب. الغريب في الأمر أن هؤلاء الزملاء أنفسهم عندما يلتقون وجهًا لوجه، يتبادلون الابتسامات وربما الأحضان والقبلات ويتظاهرون بأنهم أصدقاء مقربون. نوع من النفاق غير المبرر، ودون أي سبب أو حتى مكسب يُذكر؛ نفاق غريب وذنوب مجانية.

هذا التناقض بين ما يُقال في السر وما يُظهره الشخص في العلن يعكس حالة من النفاق الاجتماعي التي أصبحت متفشية كالنار في الهشيم. يتظاهر الناس بالولاء والمحبة والود، لكنهم في الحقيقة لا يترددون في تشويه سمعة بعضهم البعض متى سنحت الفرصة، وبأسوأ الطرق والوسائل الممكنة، دون التفات لأي من حقوق الزمالة ووحدة المكان والعيش والملح كما يقولون.

ولكن عندما تفكر في هذا الأمر لمعرفة ما هي أسبابه، نرى أنه ربما أحد الأسباب الرئيسية هو التنافس المستمر بين الزملاء في العمل مثلاً، واحتمالية أن هذا التنافس قد يدفع البعض إلى محاولة الإطاحة بالآخرين عن طريق التحدث عنهم بسوء أو التشكيك في كفاءتهم وأخلاقهم. في عالمٍ يعتمد فيه النجاح أحيانًا على العلاقات الاجتماعية أكثر من الأداء الفعلي، يصبح النفاق هو الوسيلة. ولكن في حالات عديدة لا يوجد هذا التنافس على الإطلاق، فنذهب لفكرة أخرى ونقول ربما يكون هناك نوع من الغيرة أو الحقد، أو إحساس داخلي غير سوي، أيًا كان مسماه أو نوعه أو حتى أسبابه.

أيضًا، هناك احتمال أن يكون عامل الإحباط والضغط النفسي الذي يتعرض له الموظفون. يجد البعض في النميمة وسيلة للتنفيس عن إحباطاتهم أو تبرير فشلهم، فيتم توجيه الانتقادات واللوم نحو الآخرين. المهم، وأيًا كان السبب، أنه مهما حاولنا، لن نستطيع أن نصل إلى سبب منطقي أو حقيقي يجعل أي شخص يتحدث عن زميله بسوء، إلا أسباب واهية أو نفس غير سوية.

ولكن أنا شخصيًا أرجع هذا السلوك في الأساس، أيًّا كان سببه، إلى التربية والأخلاق التي نشأ عليها كل شخص، فلا يوجد أي معيار أخلاقي يسمح بهذه التصرفات مهما كانت الأسباب.

ومن ناحية، نرى أن التحدث بسوء بين الزملاء يجعل من الصعب بناء الثقة بينهم. ولا شك أن الثقة هي الأساس لأي علاقة ناجحة سواء في العمل أو أي نوع علاقة أخر.

هذا النوع من النفاق يزيد من حالة التوتر بين العاملين، ويخلق جوًا من عدم الأمان والارتباك والشك في كل من هم حولك. بدلًا من التركيز على العمل، ينشغل الجميع بالحديث عن بعضهم البعض، مما يؤدي إلى تدهور في الأداء والإنتاجية.

بالرغم من أن هذا السلوك يبدو منتشرًا، إلا أنه ليس من المستحيل تغييره. بل يمكن لأي فرد أن يبدأ بإحداث فرق في بيئة عمله من خلال اتخاذ قرارات أخلاقية ويبدأ بنفسه بالتوقف عن التحدث بسوء عن الآخرين بشكل سيء أو غير لائق. فهذه الخطوة ليست مجرد خطوة لتحسين العلاقات، بل هي أيضًا خطوة نحو بناء بيئة عمل صحية ومجتمع سوي بشكل عام.

وهنا أيضًا فلسفة تعكس مستوى عالٍ من النضج الشخصي والمهني، والاحترام والتربية السليمة والأخلاق القويمة. وهي أنه حتى وإن عرفت شيئًا سيئًا حقيقيًا عن زميلك، دعه يقف عندك. لا تنشره ولا تجعل منه حديثًا بين الآخرين. كن أنت الشخص الذي يكسر دائرة النميمة ويختار الصمت بدلًا من المساعدة في نشره.

عندما تتوقف عن نشر الحديث السيئ، فأنت لا تحمي زميلك فقط، بل تحمي أيضًا بيئة العمل من التدهور. أنت بذلك تقدم مثالًا يُحتذى به للآخرين وتساهم في خلق جو من الثقة المتبادلة. فمن السهل أن ننجر وراء الحديث السلبي والقيل والقال والشائعات، لكن القوة الحقيقية تكمن في القدرة على ضبط النفس وجهادها واحتواء الأمور السلبية وإيقافها عندك، والتحلي بالأخلاق التي مع شديد الأسف أصبحت نادرة الوجود.

ولكن التوقف عن نشر السوء لا يعني تجاهل الأخطاء أو المشاكل إن وجدت حقا، فإذا كنت تعلم بأن هناك شيئًا سلبيًا يؤثر على العمل أو أحد الزملاء، من الأفضل أن تتعامل معه بطريقة أخلاقية. فببساطة، عليك التحدث مع هذا الشخص بشكل مباشر وواضح، أو التوجه إلى الجهة المختصة في الشركة لمعالجة الأمر بطريقة مهنية وأدبية سليمة.

هذا فضلًا عن أنه في معظم الأحيان، الأمور التي قد نسمعها عن زملائنا ليست ذات أهمية كبيرة ولا تتطلب نشرها وربما معظم ما نسمعه كلام كاذب أو تم تحويره أو تحريفه. فبدلاً من الانسياق وراء هذه الخصال السامة، يمكننا اختيار الصمت الأفضل للجميع. هذا لا يعكس فقط أخلاقك كشخص نشأ وتربى في بيئة سليمة تعلم فيها حسن الخلق، بل يُظهر أيضًا أنك زميل يعتمد عليه ويحترم زملاءه ويحافظ عليهم، بل يرد غيبتهم إذا لزم الأمر.

قد يكون المجتمع قد وصل إلى هذه الحالة بسبب تغييرات كبيرة في القيم والمبادئ التي تحكم العلاقات الاجتماعية بشكل عام. في عالم تسوده وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا البغيضة، أصبح من السهل جدًا أن نتحدث عن الآخرين دون مواجهة مباشرة ودون حتى تحري الصدق فيما نسمع وفيما نقول ونردد. هذا التطور ساهم في تعزيز النفاق وعدم الصدق في العلاقات اليومية، بما في ذلك بيئات العمل.

الخلاصة هي أن التحدث عن زملائك بسوء هو سلوك يعكس تدهورًا في القيم والأخلاق والعلاقات الإنسانية بشكل عام، وللأسف المجتمع بمرور الوقت أصبح يتقبل هذا النوع من النفاق بمنتهى الارتياح . ولكن إذا أردنا أن نحسن بيئات العمل ونبني علاقات قوية حقيقية مستمرة، علينا أن نبدأ بتغيير هذا السلوك. هذا التغير ليس صعبًا ولكنه يتطلب الوعي بأهمية الصدق والشفافية والأخلاق والتربية السليمة، والاعتراف بأن بناء الثقة يحتاج إلى وقت وجهد، لكنه يستحق على الأقل أن نبدأ بأنفسنا ونحاول.

الكاتب والشاعر: أيمن حسين
مدير عام الإعلام  
جهاز تنظيم أنشطة سوق الغاز




تم نسخ الرابط