الإثنين 31 مارس 2025 الموافق 02 شوال 1446

الوشق اسطورة لا تنحنى.. شيماء محمد

534
المستقبل اليوم

في عمق الصحراء، حيث تهمس الرياح بأسرارها، وتشتعل الرمال تحت وهج نهارها، يولد من لا يخشى مصيرها، ولا يهاب لهيب نارها. هناك، لا يعيش إلا القوي، ولا يبقى إلا من خُلق للنجاة، من عرف أن الأرض تأبى الضعيف، وأن السماء لا تحمي إلا الشجاع. في هذا العالم القاسي، يقف الوشق المصري، سيد البرية، وحارس الهوية.

بعينين كجمرة في ليلٍ بلا قمر، يترقب، يتحفز، يزأر بلا صوت، فيصمت الصدى ويشتد الخوف. خطواته ظل، وزئيره طل، يختبئ كالشبح، ثم ينقض كالسهم، لا يخطئ، لا يلين، لا يفر ولا يستكين. حين يقرر الصيد، لا نجاة، وحين يكشف مخالبه، لا حياة.

لكن هذه المرة، لم تكن الفريسة غزالًا وديعًا، ولا طائرًا بائسًا ضاع طريقه، بل كانوا دخلاء، جاؤوا بالحديد والنار، وحلموا بالسيطرة والانتصار. ظنوا أن الأرض ستنحني لهم كما انحنى أمامهم الجبناء، ولكن الوشق لا يركع، والصحراء لا تخضع، والحر لا يُباع ولا يُشترى.

انقض كعاصفة هوجاء، كريح تقتلع الأشجار والسماء، لم يبالِ بالصراخ، لم يتراجع أمام السلاح، لم يرهبه الجمع ولا أضعفه الجرح. غرس أنيابه، مزّق، ضرب، لم يلتفت للخلف، لم يعرف الخوف، ولم يمنحهم فرصة للنجاة. سقط أحدهم، تراجع الآخر، والوشق واقف، لا ينظر، لا يرحم، لا يهادن ولا يسالم.

حين هدأت العاصفة، بقيت آثارها محفورةً في الرمال، وظلت الدماء شاهدة على الهزيمة والنزال. الوشق لم يكن مجرد كائن بري، بل كان رسالة للعابرين، كان نذيرًا للغزاة الطامعين، كان همسًا من الأرض يقول: الصحراء لنا، والسماء لنا، ومن جاء غازيًا، عاد مدحورًا، ومن ظن نفسه سيدًا، خرج مكسورًا.

في كل ملحمة، يولد بطل، وفي كل حكاية، يكتب نصر، وفي صفحات الصحراء، سُطّر اسم الوشق كالنور. ليس ملكًا متوجًا، ولا فارسًا يحمل سيفًا مسنونًا، لكنه مقاتلٌ بالفطرة، وحارسٌ لا يعرف الخضوع، وسيدٌ لا يقبل الركوع.

فما سرّ تعلقنا به؟ ربما لأنه الحلم الذي نبحث عنه، الأمل الذي نتمناه، الكبرياء الذي لا يُكسر، والعزة التي لا تُشترى. الوشق المصري ليس مجرد وحشٍ بري، بل هو أسطورة الصحراء الخالدة، هو الرمز الذي لا يموت، وهو الحكاية التي لم تنتهِ بعد… ولن تنتهي أبدًا.




تم نسخ الرابط