د حنان عبدالمنعم تكتب: حينما ينضج العقل وتُزهر الروح

ستصل في لحظة ما من حياتك إلى مرحلة مختلفة تمامًا، لا تشبه البدايات، ولا تُقارن بما قبلها.مرحلة لا تُقاس بالعمر، بل تُقاس بما مررت به… بتجاربك، بوجعك، بصبرك، وكم مرة أعدت فيها ترتيب ذاتك من الداخل.
في هذه المرحلة، تتغير أولوياتك. نظرتك للحياة ليست بنفس العين، ولا للأشخاص بنفس النظرة. كل حاجة كانت تزعلك زمان، بقت دلوقتي بالنسبة لك مجرد “تفاصيل”. تسكت بدل ما تتكلم، تضحك بدل ما تعاتب، تمشي بدل ما تبرر، وتسامح بس من غير رجوع.
تبدأ تلاحظ إنك ماعدتش بتنجذب للضوضاء، ولا تستهويك القعدات اللي كلها تصنُّع ومجاملات.
تنسحب بصمت، من غير ما تعمل دوشة، لأنك أدركت إن الراحة مش في عدد الناس حواليك، الراحة في النقاء اللي جواك، وفي السلام اللي حواليك.
تتوقف عن العتاب، مش ضعف… لكن نضج. مش كل حاجة تستاهل الكلام، ومش كل الناس تقدر تفهم وجهة نظرك.
فتعدي. بهدوء. بكرامة.
تتعلم إن الصمت مش ضعف، بالعكس، ده لغة الأقوياء.
الصمت أحيانًا بيكشف ناس أكتر من الكلام. وبيخليك تشوف الحقيقة من غير فلتر، وبدون أوهام. وفي وسط كل ده، تكتشف نفسك من جديد…تستمتع بالعُزلة، مش هروب، لكن استراحة محارب. تحب القعدة مع نفسك، مع أفكارك، مع كتبك، مع فنجان قهوتك في الصبح.تبدأ تختار اللي يدخل دايرتك بوعي…دايرتك مش زحمة، لكنها دافية، صادقة، حقيقية.
تتعلم تقول “لا” من غير تأنيب ضمير…“لا” لأي حاجة تستهلك طاقتك…“لا” لأي علاقة بتاخد منك أكتر ما بتديك…“لا” للمجاملات اللي على حساب نفسك…وتقول “نعم” لكل ما يغذي روحك، يوسع مداركك، ويشبهك.
وتكتشف إنك مش محتاج تثبت نفسك لحد…اللي شايفك بعينه، عمره ما هيشوفك بقلبه. فتقرر تعيش لنفسك، تنجح لنفسك، وتفرح بنفسك.
وفي قمة هذا النضج، تعرف إن كل وجع مريت به كان بيبنيك…وكل تجربة علمتك، حتى لو كانت قاسية. وإنك كنت لازم تتكسر، علشان تتبني من جديد بشكل أقوى، أنضج، وأجمل.
ده هو النضج الحقيقي…مش نهاية، لكنه بداية. بداية لنسخة منك أكثر وعيًا، أكثر هدوءًا، وأكثر صدقًا مع نفسها. حب نفسك الناس تحبك
في النهاية…
النضج مش إنك تبقى مع الناس،النضج إنك تكون مع نفسك… وتكون كفاية