لماذا زار الوزير مقر جابكو؟ (تقرير)

لم تكن زيارة الوزير اليوم لشركة جابكو في مستهل جولاته الميدانية مجرد متابعة أو تفتيش كما قد يتصور البعض. من يعتقد ذلك يُخطئ التقدير، فرئيس الشركة المهندس عبدالوهاب المغوري من القيادات الدؤوبة المعروفة منذ أن كان أحد رموز شركة بدر الدين، ثم تولى رئاسة بتروجلف التي أحدث بها نقلة نوعية في الإنتاج.
أما جابكو، فغنية عن التعريف، فهي واحدة من قلاع الإنتاج البترولي في مصر منذ منتصف القرن الماضي، وخرجت من رحمها كوادر عظيمة قادت القطاع، بدءًا من الدكتور البنبي وحتى من تلاه من قيادات مشهود لها بالعلم والحكمة وقوة الشخصية، وربما أخرهم المهندس صلاح عبدالكريم رئيس الهيئة الحالي .
وليس من المنطقي أيضًا أن نظن أن الوزير جاء فقط ليسمع عن حفر بئر هنا أو هناك، فهذا من صميم عمل الهيئة ورئيسها والنيابات التابعة لها، الذين يعملون وفق خطة إنتاج محددة.
فلماذا إذًا زار الوزير جابكو في هذا التوقيت تحديدًا؟
الحقيقة التي يمكن أن نستشفها، إذا نظرنا إلى المشهد من الخارج، أن منطقة الشرق الأوسط، وخاصة دول الخليج، لن تعود أبدًا إلى ما كانت عليه قبل اندلاع الحرب الإسرائيلية – الإيرانية. هناك شيء ما قد تغيّر، مفاهيم جديدة ظهرت على الطاولة، وطرق جديدة في العلاقات الدولية بدأت تتشكل.
أولويات دول الخليج اهتزت بعنف، وهي ترى الصواريخ تعبر سماءها، والتهديد النووي يقترب من حدودها. صاروخ لا يتعدى ثمنه مليون دولار قد يتسبب في أضرار مادية واجتماعية لا حصر لها. لا أحد يمكنه التنبؤ بمسار الدول الخليجية وكيف ستعيد ترتيب موازناتها لمواجهة هذه المتغيرات الوجودية.
ولعلنا لاحظنا غياب ممثلي الشريك الإماراتي ، المصريين الممثلين فقط هم من كانوا حاضرين ، لكن الاماراتيين غابوا عن صور الاستقبال الرسمي للوزير، وربما كانت هناك لقاءات جانبية لم يتم الإعلان عنها. لكن المؤكد أن جابكو تقف اليوم بين نارين:
•أولاها: تقادم الآبار وضعف الإنتاج، واحتياج البنية التحتية للتطوير والإحلال، وهي عملية تتطلب موازنات ضخمة.
•وثانيها: ظروف الشريك الإماراتي الذي من الطبيعي أن ينسجم مع السياسات العامة وأولويات بلاده، وهو أمر مفهوم ومشروع تمامًا.
لكن هل سنشهد تحولات جذرية في الاستثمار الخليجي الخارجي؟ ربما. لكن لا ضرورة لاعتناق النظرة التشاؤمية؛ فربما تسعى هذه الدول، بالعكس، إلى تعزيز استثماراتها في الدول المستقرة القادرة على حماية مصالحها، وأول هذه الدول مصر .
الزمن تغير بالفعل، ولن يعود إلى ما كان . فقدان الثقة، الخوف من المستقبل، وتغير الأولويات، كلها تحديات ستفرض أنماطًا جديدة من العلاقات الاقتصادية والاستثمارية، بين كافة دول العالم ، ونحن، وشركاتنا، في قلب هذه التحولات. ولهذا كانت زيارة الوزير إلى جابكو اليوم، خطوة استباقية لاستكشاف ملامح الطريق الجديد.ودعونا ننتظر ما ستأتي به الأيام.
المستقبل البترولي