مجرد رأي..أوقفوا رحلات “النُزهة” إلى الحقول

لا شك أن تواصل قيادات الشركات مع مواقع الإنتاج هو من صميم العمل القيادي، على أن يتم ذلك تحت إشراف رئيس الشركة وبالتنسيق الكامل مع مدير عام العمليات. ولكن من أخطر ما يواجه إدارة أي شركة هو تضارب الاختصاصات أو تداخلها؛ فعندها يجد المسؤولون في الحقول أنفسهم في حيرة من أمرهم، وقد تُتخذ قرارات غير مدروسة دون تنسيق مع الإدارات المعنية، فتقع الكارثة وتضيع الأسباب بين اختلاف الرؤى وتشتت المسئوليات.
ونعلم جميعاً أن وزير البترول السابق كان قد أصدر قراراً بضرورة تواجد رؤساء الشركات في الحقول، وهو قرار لاقى – وقتها – معارضة واسعة، كونه يختزل كل المسئوليات في شخص واحد، دون مردود حقيقي على المستوى الإداري أو الاقتصادي، سوى إهدار الوقت وكميات كبيرة من الوقود بلا طائل. وبعد رحيل صاحب هذا القرار، تراجعت حدة تلك التوجيهات بعد أن تبين للجميع أنها لم تكن تسير في الاتجاه الصحيح.
لكن ما حدث لاحقاً كان أشد غرابة؛ إذ تحولت زيارات الحقول إلى “هواية” لدى بعض المديرين، يتخذونها ذريعة للهروب من ضغوط العمل بالمقار الإدارية، أو للاستفادة المادية من بدلات السفر، في وقت تمر فيه البلاد، وقطاع البترول تحديداً، بظروف اقتصادية تستوجب ترشيد كل مواردنا، وعلى رأسها الوقود.
فما جدوى هذه الزيارات الروتينية في ظل ما نشهده من تطور تقني هائل في وسائل الاتصال، يتيح التواصل مع العاملين بالحقول في كل لحظة؟ وما الداعي لهذا الإسراف في الإنفاق على النقل والإقامة والتغذية، وغيرها من التكاليف التي تتحملها الشركة دون وجود حالة طارئة تستدعي الزيارة فعلياً؟
نحن نُثمن زيارات الوزير ورؤساء الهيئات والشركات القابضة للمواقع الإنتاجية، لأنها تأتي في إطار خطط استراتيجية واضحة، ومرتبطة بأهداف محددة، وليست محل حديثنا هنا.
حديثنا موجه إلى السيد المهندس المشرف على المكتب الفني لمعالي الوزير، ونطالبه بمتابعة نتائج تلك الزيارات من خلال تقارير دورية يقدمها رؤساء الشركات، يوضحون فيها أسباب سفر مرؤوسيهم إلى الحقول، والإجراءات الفعلية التي تم اتخاذها، ومدى الحاجة الحقيقية لتلك الزيارات، أسوة بما كان معمولاً به في سنوات سابقة، قبل أن يندثر هذا النهج.
ونرجو أن يكون المشرف على دراية كاملة بمفردات التكلفة الفعلية لزيارة مدير واحد ليوم واحد فقط، حتى يدرك أهمية ما نطرحه.
إن حقولنا مليئة بالكفاءات والخبرات والرجال القادرين على تحمّل المسؤولية، ويجب أن نمنحهم الفرصة لإثبات قدراتهم وتفعيل طاقاتهم؛ فالتحديات هي التي تصنع الابتكار، وهم الأقرب لتولي المناصب القيادية مستقبلاً، خاصة في التخصصات الفنية والهندسية.
ولا يفوتنا أن نُذكر بأن رئيس الجمهورية نفسه يفتتح ويتابع مشروعات كبرى، تبلغ تكلفتها مليارات الجنيهات، عبر تقنية الفيديو كونفرانس، توفيراً للوقت والتكلفة. وكذلك تفعل كبريات الشركات العالمية التي استبدلت المراسلات الورقية بالبريد الإلكتروني، خفضاً للنفقات. فكيف نقبل نحن في بلد يستورد أكثر من نصف احتياجاته من الوقود، بهذا الاستهلاك غير المعقول للطاقة في رحلات لا لزوم لها ، والسلام،
#سقراط