د. محمد العليمي يكتب : بين قيدِ القدر وخيطِ القرار

ثمة لحظات في الحياة نشعر فيها أننا نسير على حبل مشدود، مشدودٌ بين قيدٍ لا نراه يُسمى “القدر”، وبأطراف أصابعنا يمتد خيط رفيع يُسمى “القرار”، لا يمسكه إلا من قرر أن يكون حاضراً في حياته، لا مجرد عابراً فيها، نقف في النهاية حائرين بين ما كُتب لنا وما نحن على وشك كتابته.
يقولون إن كل شيء نصيب، وإن ما فات لم يكن لك، وما هو لك لن يُخطئك. لكن الحقيقة أن الإنسان لا يُساق دومًا، بل يسير أحياناً بإرادته، فالنصيب لا يمنع الإرادة.
فالرحيل قرار، البقاء قرار، التعلّق قرار والتخلي أيضاً قرار، أن تحلم، أن تأمل، أن تنهض من انكسارك… كلّها قرارات ولابدّ أن تسعى إليها بيدك وقلبك، فنحن نُولد على صفحة بيضاء كُتب فيها شيء من القدر، لكن ما تبقى منها هو مساحة لنا لنكتب، لنُخطئ، لنتعلّم، لنُغيّر…. نلوّنها بأحلامنا ونُوقّعها بقراراتنا الصغيرة التي تصنع الفارق الكبير، فالحلم لا يُزهر دون قرار والأمل لا يتنفّس إلا إذا فتحنا له النوافذ، والمضيّ قدماً لا يحدث إن لم نُدِر ظهورنا للماضي ولو للحظة.
الحياة طريقاً رماديّاً، على جانبيه أبواب كثيرة، بعضها فُتح لنا دون إرادة، وبعضها لن يُفتح إلا إذا طرقناه نحن، والقدر هو ذلك الباب المغلق الذي لا نملك مفتاحه، أما القرار فهو اليد التي تطرق، والقلب الذي يُصرّ، والعين التي ترى النور خلف العتمة، قد لا نملك أن نختار متى نبدأ، ولا أين نولد، لكننا نملك أن نختار كيف نعيش، وهذا وحده يكفي ليجعل من الإنسان كائناً حرّاً، وإنْ كان في مهبّ القدر، فالحياة ليست ما يُمنَح لك، بل ما تختار أن تصنعه مما مُنح لك، فالقدر قد يُغلق باباً، لكن القرار هو أن تُفتّش عن نافذة، أن تُضيء شمعة بدلًا من أن تلعن العتمة.
القدر يرسم حدود اللوحة، لكن القرار هو من يختار الألوان، وبين قيدِ القدر وخيطِ القرار، تُصاغ الحياة، ويُكتَب المعنى، وتولد الحكاية.