أيمن حسين يكتب: المتحدث الرسمي ليس بالضرورة أن يكون مهندسًا

رداً على المقال المنشور حول مواصفات المتحدث الرسمي لقطاع البترول ، أود القول ..في خضم التغييرات المتسارعة داخل قطاع البترول ، يبرز دائمًا سؤال حول من هو الأنسب لتولي منصب المتحدث الرسمي. هل يكفي أن يكون صاحب خبرة هندسية وفنية؟ أم أن المنصب يتطلب أكثر من ذلك بكثير؟ هذا الجدل تجدد مؤخرًا بعد مقال رأى أن خلفية المتحدث يجب أن تكون هندسية بالدرجة الأولى. وفي هذا المقال، نوضح لماذا نرى أن الأمر أوسع من مجرد شهادة أكاديمية أو تخصص فني، ولماذا المتحدث الرسمي الناجح هو قبل كل شيء واجهة سياسية وإعلامية تمثل الوزارة أمام الوطن والعالم.
في مقال نُشر مؤخرًا، طُرحت وجهة نظر ترى أن المتحدث الرسمي لوزارة البترول يجب أن يكون مهندسًا، وأن خلفيته الفنية هي العامل الحاسم والأهم لنجاحه. ومع كامل الاحترام والتقدير لهذه النظرية، إلا أن هذه النظرة تضيّق زاوية الفهم والرؤية لدور هو في الحقيقة أوسع بكثير من مجرد معرفة تقنية أو فنية أو ضرورة أن يكون مهندسًا.
المتحدث الرسمي ليس موظفًا تقنيًا يقرأ بيانات مكتوبة أو معدّة مسبقًا فقط، بل هو واجهة سياسية وإعلامية للمؤسسة أمام الرأي العام المحلي والعالمي. هو منصب يتطلب شخصًا واسع الأفق، مدركًا لطبيعة قطاع الطاقة كجزء من معادلة اقتصادية وسياسية عالمية، وليس فقط قطاع البترول المصري. فالمتحدث الرسمي الفعّال يفهم كيف تتقاطع أسعار النفط مع حركة أسواق المال العالمية، وكيف ينعكس ذلك على الاقتصادات الكبرى والناشئة، وكيف تتأثر أسواق الغاز الطبيعي والعقود الآجلة للطاقة بالتغيرات في الطلب العالمي أو قرارات الدول المنتجة. كما يدرك أثر الأزمات الإقليمية والصراعات الجيوسياسية على استثمارات النفط والغاز ومشروعات الطاقة المتجددة، سواء في الشرق الأوسط أو في الأسواق الدولية، وكيف يمكن لهذه المتغيرات أن تنعكس محليًا على خطط الإنتاج، وأسعار الوقود، واستراتيجيات الأمن الطاقي للدولة، وكيف تُقرأ هذه الملفات وغيرها الكثير والكثير في الإعلام.
هذا الدور يحتاج إلى شخصية جمعت بين الخبرة في القطاع والعمل في أكثر من تخصص داخله، وبين خلفية إعلامية متينة تمنحه القدرة على صياغة الرسائل بلغة بسيطة للجمهور، وفي الوقت نفسه دقيقة ومحترفة للمختصين. هو من يعرف كيف يُحوّل المصطلحات الفنية المعقدة إلى رواية يفهمها المواطن البسيط دون عناء، ويثق بها المستثمر المحلي والأجنبي، ويقرأها الصحفي كرسالة احترافية.
المتحدث الرسمي الناجح يمتلك كاريزما طبيعية وحضورًا لافتًا، وذكاء اجتماعيًا يجعله يتعامل مع الإعلام باحترافية عالية، سواء كان أمام ميكروفون إذاعة، أو على شاشة تلفزيون، أو في مداخلة هاتفية، أو في مواجهة أسئلة مفاجئة من الصحافة. يقرأ المشهد قبل أن يتحدث، ويدرك أن كل كلمة تخرج منه تبني صورة ذهنية عن الوزارة والدولة معًا.
في النهاية، المؤهل الأكاديمي ليس معيارًا كافيًا للحكم على كفاءة المتحدث الرسمي. المعيار الحقيقي هو القدرة على الجمع بين الفهم العميق للقطاع، والإدراك الشامل لما يدور في العالم، ومهارة تمثيل الوزارة أمام جميع الفئات بذكاء وحرص وحكمة، تجعله لا يورّط الوزارة أو الحكومة في لغط أو نقد نتيجة كلمة غير محسوبة أو تصريح غير دقيق جاء ردًا على سؤال مفاجئ مثلًا. فليس بالضرورة أن يكون مهندسًا أو من أي تخصص آخر، ولكن عندما يوجد مهندس تتوافر فيه كل ما ذكرنا، لا مانع على الإطلاق أن يكون هو المتحدث الرسمي.
والعجيب أن المقال الذي تحدّث عن ضرورة أن يكون المتحدث مهندسًا، ذكر بنفسه الأستاذ حمدي عبد العزيز وجميعنا نعلم قدر وقيمة وكفاءة الاستاذ حمدي وتمنى أن يُستعان به مرة أخرى وهو ليس مهندس بدلًا من المتحدث الحالي، وهو مهندس.
فالمتحدث الرسمي هو بمثابة جسر وواجهة ورسول أمين للمعلومة، وحارس لسمعة المكان الذي يمثله.
وأخيرًا، نحن ندعم أي شخص، أيًا كان، يتولى هذا المنصب المهم والحساس، ونتمنى التوفيق لكل من جاء في إطار حركة التغييرات الأخيرة التي تحدثنا عنها في مقالنا السابق. فنحن مع كل من يتسلم موقعه الجديد، نسانده، ونتمنى له النجاح، لأننا في النهاية جميعًا في مركب واحد، هدفنا أن تعبر هذه المرحلة بأفضل النتائج الممكنة، وأن تسير الأمور بحكمة وهدوء لما فيه خير للقطاع وللوطن بأكمله.
الكاتب والشاعر / أيمن حسين: مدير عام الإعلام – جهاز تنظيم أنشطة سوق الغاز