السبت 23 أغسطس 2025 الموافق 29 صفر 1447

الإقالة في نفس اللحظة

3859
المستقبل اليوم

هناك مواقف وأحداث لا يستقيم معها تحقيق أو استبيان. هي مواقف تتطلب إقالة المسئول في نفس اللحظة، حتى وإن لم يكن على رأس الحدث. الجميع يعرف أن الرئيس الأسبق (مبارك) كان هادئاً إلى حد بعيد ولا ينفعل إلا في النادر، ولكنه عندما توجه إلى الأقصر في ١٧ نوفمبر ١٩٩٧ بعد حادث الدير البحري الإرهابي الذي راح ضحيته ٥٨ شخصاً، كان الرجل مرتاعاً وغاضباً بشكل غير معهود، وتوجه بحديثه إلى حسن الألفي: أين كنتم؟ أنتم نائمون لا تؤدون أعمالكم!! أنت مش نافع!! … هكذا انطلقت كلماته كالرصاص في وجه حسن الألفي ومرافقيه وأمام الكاميرات المحلية والعالمية. لم ينتظر تحقيقات أو تبريرات لتدارك الأمر. صدر أمر الإقالة وهو في الطائرة عائد إلى القاهرة، ومعه كل منظومة الأمن في وزارة الداخلية والمحافظة بالكامل في ذلك الوقت.

هناك مواقف لا تحتمل سوى اتخاذ هذا القرار سواء كان مجحفاً أو قاسياً أو لم يرتكن على تحقيقات تثبت التقصير، لأن النتيجة وما حدث مفجع يتحمله سياسياً وتضامنياً أكبر مسئول في جهة الاختصاص. بالطبع يختلف الحدث من مكان لآخر وفي مستوى المسئولية، والأحداث الكبيرة أيضاً تختلف طبيعتها وشكلها وتأثيرها من مكان لآخر حسب طبيعة العمل. ليس من المفترض أن تكون الإقالة الفورية مرتبطة بكوارث وضحايا لتحدث، ولكنها ترتبط بشكل وثيق بعمق الحدث بالمنشأة وما تظهره من فوضى بها تؤدي بالقطع إلى ظهور سلبيات خطيرة تطيح بمصداقية وجدية منظومة العمل الإداري بها بالكامل.

والقاعدة التي وضعتها الإقالة اللحظية بعد حادث الأقصر أن الأمر لا يتعلق برأس المنظومة فقط، ولكن بكافة عناصرها الأخرى التي تعمل بها، فلا يمكن التغاضي عن تقصير المحيطين به سواء كانوا كباراً في الدرجة أو صغاراً، لأنهم مكونات المنظومة وبهم تعمل ومنهم يظهر التقصير.

لا يمكن الاعتماد على عناصر تظل خائفة مرتجفة تجاه اتخاذ أي قرار أو رفض تصرفات أو تقصير تراه بدعوى الخوف من التنكيل والعقاب، فالجميع تحكمه قواعد ولوائح محددة يسير عليها بكل دقة ولا يغضب من تطبيقها إلا فاسد، لذلك فإن التستر على الأخطاء بدعوى الخوف يدفع ثمنه من يخاف منفرداً، وللأسف بعد أن يكون قد قاد منظومة العمل كلها إلى الفشل ومواجهة أحداث مريرة.

قرارات حادث الأقصر بها دروس إدارية وأمنية بليغة، أهمها أن هناك قرارات يجب أن تتخذ في نفس اللحظة وإلا فقدت قيمتها وتأثيرها، وأهمها إيقاظ منظومة العمل وإعادة تصحيح المسار بها بشكل عنيف ليحدث إصلاحاً قسرياً بعد أن أصبحت مترهلة متكاسلة تعمها الفوضى. والدرس الثاني أن إقالة رأس المنظومة يجب أن يتبعها عناصر كثيرة من منظومة عمله، لأنها المسئولة عملياً عن أي تقصير أو مخالفة.

المستقبل البترولي




تم نسخ الرابط