الجمعة 26 سبتمبر 2025 الموافق 04 ربيع الثاني 1447

الوجه الآخر للوحدة.. محمد العليمي

504
المستقبل اليوم

ليست كلّ عزلةٍ وحدة، وليست كلّ وحدةٍ سببها غياب الآخرين. كم منّا جلس وسط الزحام، يتبادل الأحاديث والضحكات، لكنه يشعر بشيءٍ داخله ينكسر بصمت؟ تلك هي الوحدة التي لا صوت لها، ولا حضور فيها لأحد، حتى لنفسك.

في الحقيقة، أشدّ اللحظات قسوة ليست حين يتركك الآخرون، بل حين تتركك نفسك. حين تنشغل بكلّ ما حولك حتى تنسى ما في داخلك. تغرق في العلاقات، في السعي، في التفاصيل اليومية، ثم فجأة تستيقظ لتكتشف أنك غريب عن ذاتك، لا تعرف ما يسعدك، ولا ما يؤلمك، ولا إلى أين تسير.

الوحدة الحقيقية لا تُقاس بعدد المقاعد الفارغة من حولك، بل بالمسافة بينك وبين قلبك. أن تجلس إلى نفسك فلا تجدها، أن تبحث عن دفء داخلي فلا تلمسه، أن تكون موجودًا في العالم، لكن غائباً عن نفسك … تلك هي أقسى وجوه الغربة.

غالبًا ما ننتظر من الآخرين أن يملأوا هذا الفراغ، أن يعيدوا إلينا شعور الإنتماء، أن يمنحونا الحضور، في حين أن الحضور الحقيقي يبدأ من الداخل. أن تكون صديقاً لنفسك، أن تصغي إلى نبضك، أن تلتفت إلى طفلك الداخلي، أن تُنصت لما تُخفيه تحت طبقات الإنشغال والتظاهر.

ففي زحام الحياة نحاول أنّ نتعلم  كيف نكون ناجحين، محبوبين، منتجين… لكننا ننسى أن نتعلّم كيف نكون مع أنفسنا، وبأنفسنا، ولأنفسنا.
لذلك، لا تبحث عن من يعيدك إلى الحياة… عد أنت إلى ذاتك. إجلس مع نفسك، بصدق، بلا قناع. واسألها: ما الذي أفتقده؟ ما الذي يُوجعني؟ ما الذي يجعل قلبي يبتسم؟ فربما، بعد هذا اللقاء، تدرك أنك لم تكن وحيداً لأن الآخرين غابوا، بل لأنك نسيت أن تكون هناك، في قلبك، حاضراً.

فكما قال شمس الدين التبريزي: لستَ وحيدًا لأن الآخرين غابوا عنك، بل لأنك أنتَ غبتَ عن نفسِك… فأقسى أنواعِ الوحدة، أن لا تكونَ حاضرًا في قلبِك.




تم نسخ الرابط