د أمير صالح يكتب: حين نحمي الفاشل نحكم على النجاح بالموت
في كثير من المؤسسات، لا يُقاس النجاح بما يتحقق من إنجاز، بل بما يضمن استمرار أصحاب المناصب في أماكنهم. وهنا تنشأ ظاهرة خفية وخطيرة في آنٍ واحد، وهي الحفاظ على الفاشل لحماية النفس.
فالفاشل غالبًا لا يشكّل خطرًا على أحد، لا يُنافس، ولا يُبدع، ولا يُطالب بالتغيير. وجوده يمنح من هم فوقه شعورًا زائفًا بالأمان، لأنهم يعلمون أن لا أحد من حولهم يملك الجرأة أو الكفاءة لتهديد مواقعهم.
وهكذا تتحول المؤسسة إلى دائرة مغلقة من الضعف، يتبادل فيها الفاشلون الأدوار تحت شعار “الاستقرار”.
لكن الحقيقة أن هذا الاستقرار المزعوم ليس إلا سكونًا مميتًا.فحين يُستبدل الكفء بالمطيع، والفاعل بالتابع، تموت روح التنافس، وتتآكل الثقة، ويتحول العمل إلى مجرد أداءٍ روتيني يخلو من الإبداع والمعنى.
الأخطر أن هذه السياسة لا تضر الأفراد فقط، بل تقتل المؤسسات من الداخل.
فبقاء الفاشل لا يعني فقط تعطيل التطوير، بل يعني أيضًا تهميش المبدع، وإرسال رسالة واضحة لكل كفء مفادها: “نجاحك خطر على بقائنا”.
من يحافظ على الفاشل ظنًّا أنه يحمي نفسه، إنما يحفر قبر منظومته بيده.
فالمؤسسات لا تنهار فجأة، بل تتآكل ببطء حين يصبح الخوف من النجاح أقوى من الرغبة في الإصلاح.
إن أخطر أنواع الفشل هو أن نحمي الفشل ذاته، وأن نعتبر الوساطة سياسة، والسكوت على العجز نوعًا من الحكمة.
أما الحقيقة فهي أن النجاح لا يولد إلا في بيئة تسمح للكفاءة أن تتنفس، وللأفكار أن تُسمع، وللضعف أن يُعالج لا أن يُحمى.
هذا يذكرني بقصة قديمة، وهي: يُحكى أن ضابطًا سأل قناصًا من جيشه:
ما رأيك في قناص العدو؟
فقال: فاشل، يرمينا ولا يُصيبنا. فسأله: إذاً، لماذا لم تقتله؟ فقال: أخشى أن يستبدلوه بقناصٍ جيد فيقتلني.
إذن، هناك من يحافظ على الفاشل في منصبه لحماية نفسه.