الطريق الميسور ل"حسب الله وبيضون".
الطريق الميسور ل"حسب الله وبيضون".
أليس من الإنجاز أن سوق السيارات قد تم نقله من مدينة نصر ، بعد سنوات من العذاب يقاسيها المقيمون والمترددون والمارون من هناك .
أليس من الإنجاز أن ساكن الحي ذاته المهندس محمد بيضون ، قد ترك بتروزيت التي ظل بها لسنوات ، وتولى رئاسة شركة كبرى مثل عجيبة ثم أصبح نائباً لرئيس هيئة البترول للإنتاج ، ثم كان من المعدودين الذين رافقوا الوزير لإيطاليا .
أليس من الإنجاز ، أنه تزامناً من إنشاء هذه الكباري والطرق ، يرتفع شأن المهندس شريف حسب الله ، فيترك شركة عش الملاحة ، ويتولى رئاسة شركة رشيد ، ثم يصبح وكيلاً أول للوزارة لشئون البترول ، ويرافق الوزير لإيطاليا أيضاً ضمن نفر قليل .
فجر اليوم ، فارق النوم عيني ، هرولت بسيارتي قبل آذان الفجر بنصف ساعة ، توقفت في هذا الركن من الحي الذي كنا نجلس فيه قديماً ، نعم لقد أضحى من زمن ، راقبت أحوال النجوم فى السماء ، كانت صافية بقدر صفاء الذهن ، كيف لنفحات الفجر أن تجلي العقول والأذهان بهذا الشكل !، أدرت المذياع ، لعلي أجد أغنية أم كلثوم " ماخطرتش على بالك يوم تسأل عني "، فأرسلها للمهندس محمد بيضون ، عله يبادر بالسؤال كما كان ، لكني وجدت نجاة تصيح ب"حبك أنت شكل تاني .
هي لا تناسب المهندس بيضون ، نعم أحبه ، لكن ليس للدرجة التي صورتها نجاة ، الأغنية تناسب أخرون ، لكنهم نيام لا يستطيعون أن يستوعبوا الكلمات وهم يغطون في نومهم العميق ، يحتاجون إلى حالة كي يدركوا الجمال..أنى للموتى أن يستفيقوا !
المهم ، توقفت في ذلك المكان الذي كان سوقاً عشوائياً ، أصبح به طريقاً دولياً يربط مدينة نصر بالقاهرة الجديدة بطريق السويس بمصر الجديدة ، العديد من الكباري تنقلك في لمح البصر حيثما كانت وجهتك ، بات المكان الذي كنا نجلس فيه للبكاء على اللبن المسكوب ، أطلال ، لا ، لم يعد أطلالاً ، بات ذكرى لكنها حزينة ، فقد كانت مملؤة بالزحام والتلوث وعدم القدرة على التحرك و الحركة .
لم تكن حركة المارة سريعة ، وبالمثل كانت حركة السيارات شبه متوقفة ، وأيضاً كانت حركة المهندس محمد بيضون والمهندس شريف حسب الله ، غير موجودة بالمرة
الحركة باتت شاملة ، جرفت أمامها الحجر والبشر على السواء ، الحجر أصبح له قيمة ومعنى وبريق ، والبشر أيضاً أصبح لهم مكانة كبيرة وعظيمة ، وبريق داخل القطاع ، ومثلما انتقلت المنطقة التي كنا نحكي فيها ، لمصافي المناطق الراقية الميسورة التنقل ، انتقل البشر معها للعلالي ، وباتوا في مصافي الأشراف من القوم .
تذكرت كل ذلك وأنا أتجول ، كيف لكل هذا أن يحدث !..وكيف أن يتواكب هذا مع ذاك ، من رتب كل ذلك ؟ هل كان ينتظر حتى نمهد الطرق والكباري ، ثم نصعد بهؤلاء ؟..لقد كان سكان الحي يحتاجون أيضاً لمن ينصفهم ؟..حتماً من جعل للحي مكانة ، جعل لسكانه أيضاً .
يبدو أنني كنت أشعر بكل ما حدث أنه سيحدث ، فقد كنت أقول دائماً: عليك أن تدرك أن بلاءات الدنيا سواءً كانت مرة أم حلوة فإنما هي كخرقة صقل أُتيحت لنا لكي ننظف بها نفوسنا فنحيلها شفافة صافية براقة ، وكنت أوصي الجميع فأقول: إياك أن تَذهب الرذايا بصفاء روحك فتجعلها سوداء مكداة ، وإياك أن تجعل الخطوب من حياتك نفقاً ضيقاً ومظلماً ، ما أكثر الذين أعيتهم الحياة لكن شقائهم النفسي وقدرة مزاجهم قد أحالا الدنيا بنظرهم إلى ما هو أسوء من خطوبها .
إن الامل بالخلاص من الشقاء والتعب حلو مذاقه ، وفقدان الأمل مر مذاقه وآمال الدنيا بحلوها وبريقها هي كذلك أيضاً ، ومهما ركضت وراء آمالك فإنها سوف تفر منك فرار الظل من السعي إليه وإن اعرضت عنها تبعتك لا محالة .
وكنت أقول وأكتب: أليس من الأفضل أن يرى الجميع في محنة هذه الدنيا فضاءً تملأه الأنوار .
وها هي خطوب الدنيا قد تحولت لبساتين وارفة خضراء ، وها هي الطرق باتت ميسورة لسالكيها ، وبات لسكان الحي مكان .