السبت 21 ديسمبر 2024 الموافق 20 جمادى الثانية 1446

الطريق الميسور ل"حسب الله وبيضون".

31
المستقبل اليوم

الطريق الميسور ل"حسب الله وبيضون".

 

أليس من الإنجاز أن سوق السيارات قد تم نقله من مدينة نصر ، بعد سنوات من العذاب يقاسيها المقيمون والمترددون والمارون من هناك .

أليس من الإنجاز أن ساكن الحي ذاته المهندس محمد بيضون ، قد ترك بتروزيت التي ظل بها لسنوات ، وتولى رئاسة شركة كبرى مثل عجيبة ثم أصبح نائباً لرئيس هيئة البترول للإنتاج ، ثم كان من المعدودين الذين رافقوا الوزير لإيطاليا .

أليس من الإنجاز ، أنه تزامناً من إنشاء هذه الكباري والطرق ، يرتفع شأن المهندس شريف حسب الله ، فيترك شركة عش الملاحة ، ويتولى رئاسة شركة رشيد ، ثم يصبح وكيلاً أول للوزارة لشئون البترول ، ويرافق الوزير لإيطاليا أيضاً ضمن نفر قليل .

فجر اليوم ، فارق النوم عيني ، هرولت بسيارتي قبل آذان الفجر بنصف ساعة ، توقفت في هذا الركن من الحي الذي كنا نجلس فيه قديماً ، نعم لقد أضحى من زمن ، راقبت أحوال النجوم فى السماء ، كانت صافية بقدر صفاء الذهن ، كيف لنفحات الفجر أن تجلي العقول والأذهان بهذا الشكل !، أدرت المذياع ، لعلي أجد أغنية أم كلثوم " ماخطرتش على بالك يوم تسأل عني "، فأرسلها للمهندس محمد بيضون ، عله يبادر بالسؤال كما كان ، لكني وجدت نجاة تصيح ب"حبك أنت شكل تاني .

هي لا تناسب المهندس بيضون ، نعم أحبه ، لكن ليس للدرجة التي صورتها نجاة ، الأغنية تناسب أخرون ، لكنهم نيام لا يستطيعون أن يستوعبوا الكلمات وهم يغطون في نومهم العميق ، يحتاجون إلى حالة كي يدركوا الجمال..أنى للموتى أن يستفيقوا !

المهم ، توقفت في ذلك المكان الذي كان سوقاً عشوائياً ، أصبح به طريقاً دولياً يربط مدينة نصر بالقاهرة الجديدة بطريق السويس بمصر الجديدة ، العديد من الكباري تنقلك في لمح البصر حيثما كانت وجهتك ، بات المكان الذي كنا نجلس فيه للبكاء على اللبن المسكوب ، أطلال ، لا ، لم يعد أطلالاً ، بات ذكرى لكنها حزينة ، فقد كانت مملؤة بالزحام والتلوث وعدم القدرة على التحرك و الحركة .

لم تكن حركة المارة سريعة ، وبالمثل كانت حركة السيارات شبه متوقفة ، وأيضاً كانت حركة المهندس محمد بيضون والمهندس شريف حسب الله ، غير موجودة بالمرة 

الحركة باتت شاملة ، جرفت أمامها الحجر والبشر على السواء ، الحجر أصبح له قيمة ومعنى وبريق ، والبشر أيضاً أصبح لهم مكانة كبيرة وعظيمة ، وبريق داخل القطاع ، ومثلما انتقلت المنطقة التي كنا نحكي فيها ، لمصافي المناطق الراقية الميسورة التنقل ، انتقل البشر معها للعلالي ، وباتوا في مصافي الأشراف من القوم .

تذكرت كل ذلك وأنا أتجول ، كيف لكل هذا أن يحدث !..وكيف أن يتواكب هذا مع ذاك ، من رتب كل ذلك ؟ هل كان ينتظر حتى نمهد الطرق والكباري ، ثم نصعد بهؤلاء ؟..لقد كان سكان الحي يحتاجون أيضاً لمن ينصفهم ؟..حتماً من جعل للحي مكانة ، جعل لسكانه أيضاً .

يبدو أنني كنت أشعر بكل ما حدث أنه سيحدث ، فقد كنت أقول دائماً: عليك أن تدرك أن بلاءات الدنيا سواءً كانت مرة أم حلوة فإنما هي كخرقة صقل أُتيحت لنا لكي ننظف بها نفوسنا فنحيلها شفافة صافية براقة ، وكنت أوصي الجميع فأقول: إياك أن تَذهب الرذايا بصفاء روحك فتجعلها سوداء مكداة ، وإياك أن تجعل الخطوب من حياتك نفقاً ضيقاً ومظلماً ، ما أكثر الذين أعيتهم الحياة لكن شقائهم النفسي وقدرة مزاجهم قد أحالا الدنيا بنظرهم إلى ما هو أسوء من خطوبها . 

إن الامل بالخلاص من الشقاء والتعب حلو مذاقه ، وفقدان الأمل مر مذاقه وآمال الدنيا بحلوها وبريقها هي كذلك أيضاً ، ومهما ركضت وراء آمالك فإنها سوف تفر منك فرار الظل من السعي إليه وإن اعرضت عنها تبعتك لا محالة .
وكنت أقول وأكتب: أليس من الأفضل أن يرى الجميع في محنة هذه الدنيا فضاءً تملأه الأنوار .

وها هي خطوب الدنيا قد تحولت لبساتين وارفة خضراء ، وها هي الطرق باتت ميسورة لسالكيها ، وبات لسكان الحي مكان .




تم نسخ الرابط