مروه عطيه تكتب عن حرب اكتوبر... الحلقة الأولى
الخامس من يونيو : ذكري الكبوة والأمل !
في صباح يوم 5 يونيو عام 1967م انطلقت الطائرات الحربية الإسرائيلية بأقصى قوتها، لتشن غارات مفاجئة وشاملة على كل من مصر وسوريا والأردن، وقد تركزت الغارات على المطارات العسكرية ونقاط تجمع القوي الجوية للدول الثلاث .
وكان نصيب مصر وحدها من تلك الفورة المباغتة ثلاث موجات متتالية من الغارات، أدت إلي تدمير وإعطاب معظم الطائرات الحربية، وإخراج سلاح الطيران من الخدمة بشكل شبه كامل، بعد تحقيق اهداف الضربات الجوية بدأت القوات البرية الإسرائيلية في الزحف تجاه اراضي شبه جزيرة سيناء ومرتفعات الجولان السورية والضفة الغربية من الاردن، كما أحتلت قطاع غزة الفلسطيني، لتنتهي هذه المعارك غير المتكافئة، بعد ستة أيام فقط، بتدمير القوي العسكرية لثلاث دول عربية، واحتلال اجزاء من أراضيها، زيادة على اقتطاع جزء من دولة رابعة وهي فلسطين المحتلة !
كانت هذه نهاية مرحلة طويلة من العداء والصراع العسكري بين العرب وبين القوي الغربية، وواجهتها إسرائيل، والتي تآمرت وخططت طويلا لزرع كيان استعماري دخيل وغريب في قلب الوطن العربي، ذلك التآمر الذي تكلل بإعلان قيام إسرائيل في يوم 14 مايو عام 1948م، والذي تسبب في اندلاع أول حرب بينها وبين الدول العربية في نفس عام، وهي المعروفة تاريخيا بحرب فلسطين ( أو النكبة ).
الانتصار الإسرائيلي الساحق جاء نتيجة سلسلة طويلة من الاستعدادات، والتخطيط والتدريب، والعمليات الاستخباراتية الفائقة، وانتهاز فرصة الضعف والتشرذم العربي، واخيرا الدعم الغربي الكامل، خاصة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، لإسرائيل، ومدها بأحدث أنواع المعدات والأسلحة وحتى أجهزة التجسس والتنصت وخلافه !
نظرة مقارنة سريعة بين خسائر الطرفين، تكشف لنا فداحة خسائر الدول العربية، وعدم تناسبها إطلاقا مع خسائر الجانب الإسرائيلي، التي لا تكاد تذكر :
- أولا إذا أحصينا مساحة الأراضي التي فقدت في هذه الحرب سنجد أن إسرائيل قد استولت على ما مجموعه قرابة سبعين ألف كيلومتر من الأرض (69.347 كم2 ) بينما لم تخسر شبرا واحدا .
- بلغ عدد الشهداء من الجانب العربي ما بين 15 إلي 25 ألف، أما إسرائيل فقد خسرت ما بين 650 إلي 800 جندي فقط !
- عدد الإصابات الناجمة عن المعارك العسكرية بلغت في الجانب العربي نحو 45 ألف مصاب، بينما لم يتعرض إلا ألفي جندي إسرائيلي فقط للإصابات المختلفة .
زيادة على كل تلك الخسائر البشرية، والخسائر في الأراضي، فقد دفعت نتائج النكسة الكارثية، واستيلاء العدو على مدينة ( القدس الشرقية) وقطاع غزة والضفة حوالي ثلاثمائة ألف فلسطيني ( 300000 ) إلي النزوح واللجوء إلي الدول العربية المحيطة، ومعظمهم أتجه نحو الأردن !
النتائج السياسية
إذا كان لحرب 5 يونيو 1967م ( النكسة) نتائج عسكرية وبيلة على الأرض، فإن نتائجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية لم تقل فداحة عن الخسائر في القوات والمعدات، وذلك لأنها وضعت ثلاث دول عربية ( أو ما تسمي دول المواجهة) أمام حقيقة ضعفها العسكري وعجزها عن التصدي للمشروع الصهيوني بالقوة اللازمة، كما أنها أدت لتصدع الجبهات الداخلية، وخسائر اقتصادية اضافية، بسبب تعامل إسرائيل مع المناطق الجديدة التي احتلتها، واعتبارها جزء من كيان الدولة الصهيونية، ونهبها لموارد شبه جزيرة سيناء والجولان السورية والضفة المائية، وحتى بدء مشروعات تنقيب عن البترول والغاز الطبيعي والموارد المعدنية في الأراضي، التي صارت تعتبرها ملك وحق مشروع لها !
وفوق كل ذلك فقد أدت هزيمة الدول العربية السريعة والساحقة إلي تمسك إسرائيل بمبدأ ( القوة) وانتشار عقيدة قتالية جديدة بين الإسرائيليين، وظنهم أن بوسعهم من خلال القوة العسكرية والتفوق في التسليح فعل كل ما يريدون فعله، وسلب كل المناطق التي يحلمون بضمها إليهم بالقوة، بدون مراعاة للحقوق التاريخية، أو الحقائق السكانية والجغرافية !
ستؤدي حرب الأيام الستة إلي بدء مرحلة طويلة من مراحل محاولة التعافي، والتغلب على آثار ونتائج العدوان، ورأب الصدع وتوحيد الجبهات الداخلية في دول المواجهة، وصولا إلي استرداد القوات المهزومة جزء من ثقتها بنفسها، وقدرتها على شن عمليات مضادة، ستتراكم تلك المحاولات في شكل معارك متقطعة بين مصر وإسرائيل، تسمي رسميا بحرب الاستنزاف ( أو حرب الألف يوم) والتي ستبدأ في مارس من العام التالي للنكسة ( 1968م) وتنتهي في أغسطس عام 1970م، أي قبيل شهر واحد من وفاة الرئيس الراحل " جمال عبد الناصر " !