للاعلان

Sat,05 Oct 2024

عثمان علام

مروه عطيه تكتب عن حرب اكتوبر... الحلقة الثالثة

مروه عطيه تكتب عن حرب اكتوبر... الحلقة الثالثة

03:19 pm 05/10/2024

| رأي

| 139


أقرأ أيضا: مجرد رأي…عائلة دياب في بدر الدين للبترول

 

الأسطول الأصفر (2)
 
استقر الاسطول الأصفر إذن في مكانه تحت حجر ( الوضع الراهن)، دون أن يكون واضحا متي ستنقضي الأزمة وتعود سفنه إلي بلادها مرة أخري، بيد أن ذلك لم يعني أن السفن ستبقي واقفة دون حركة أو نشاط، بل استمر العمل على سطحها، واستمرت عمليات تبديل الأطقم والبحارة، وبسبب طول مدة بقائهم كان على رجال الأسطول مراسلة ذويهم والاطمئنان عليهم، فصمموا طوابع يدوية بسيطة الشكل، لاستعمالها في ارسال الخطابات والرسائل، وكان يكتب عليها الحروف الأولي من (اتحاد البحيرة المرة الكبرى )، وهو الاسم الذي استعملته أطقم سفن الأسطول للإشارة إليها، ولاحقا قاموا بصناعة أختام خاصة لكل واحدة من السفن، ثم تواصلوا مع إدارة البريد المصري من أجل الحصول على طوابع رسمية، لكن البريد المصري صدمهم وآثار دهشتهم حين أعتبر أن طوابع السفن رسمية ومعترف بها، وهكذا يمكنهم استعمالها دون الحاجة إلي شراء طوابع حكومية مصرية !
...
تتوالي الأيام والشهور وهم محتجزين ومحبوسين في نطاق البحيرة المرة، والأعمال القليلة المتفرقة على السفن لا تكفي لشغل أوقات فراغهم، أو مليء ساعاتهم المملة الطويلة، ولذلك بدأ رجال الأسطول الأصفر يبحثون عن أي أنشطة أو فعاليات يصرفون من خلالها فائض نشاطهم، ويشغلون أوقاتهم، وكانت الرياضة هي الشيء المفضل بالنسبة لهم جميعا .
فحددوا قائمة من الأنشطة الرياضية موزعة على أيام الأسبوع، بحيث يكون لكل يوم رياضة محددة تمارس فيه، مثل سباقات المراكب وكرة القدم، وتنس الطاولة والسباحة والصيد ، وكانت السينما والافلام هي تسليتهم الثانية، والمدهش أن الشركات الملاحية التي تتبعها تلك السفن تجاوبت مع رغبات ملاحيها، فكانت ترسل لهم أشرطة سينمائية بشكل منتظم، بل كانت أيضا تمدهم بأحدث الأفلام، ليشاهدوها ربما حتى قبل أن تبدأ عروضها في دور السينما المصرية !
ولكن ولأن الرياضة هي عشقهم الأول، فقد كانت بداية فعاليات أولمبياد المكسيك ( 1968م) أمرا هاما جدا بالنسبة للأسطول ورجاله، وطبعا كان من المستحيل أن يتمكنوا من اللحاق بتلك المناسبة الرياضية الهامة جدا، فاتخذوا قرار جري وغريب، وعقدوا أولمبياد خاص بالأسطول الأصفر في مجموعة من الألعاب المختلفة، منها منها التجديف والجري، والرماية والقفز العالي ورفع الأثقال وكرة القدم.
وجاء ترتيب المراكز في الألعاب الأولمبية الخاصة بالأسطول الأصفر كالتالي : حصدت بولندا المركز الأول، ثم ألمانيا ثم السويد في المركزين الثاني والثالث .
...
برغم كل ذلك التفاؤل ومحاولة التأقلم على هذا الوضع الغريب، قابلت سفن الأسطول مشاكل كثيرة، منها محاولة حماية محركاتها من التعطل، ولذلك كان لابد من أن تتحرك من حين لآخر، فتم السماح لها بالتحرك على طول قناة السويس مرة واحدة كل شهر، وبأقصى سرعة ممكنة، ثم ظهرت مشكلة المواد الغذائية المخزنة على سطحها، والتي كان بعضها سريع التلف مثل البيض ومنتجات الألبان وخلافه، وفي حين بقي البحارة والاطقم في أماكنهم، فإن الركاب العاديين تم إخلاءهم وإعادتهم إلي بلادهم، ومع طول مدة رسو الأسطول إجباريا في مكانه تأثرت بعض السفن، إلي حد أنها تعطلت وأعطبت، وخرجت من الخدمة نهائيا !
ظلت السفن جاثمة مكانها والأتربة والرمال تتراكم عليها، حتى أعطتها لونها الأصفر المميز، والذي صار علامة على تلك القصة العجيبة المنسية كلها، حتى اندلعت فجأة حرب السادس من أكتوبر / 1073م .
...
في الساعة الثانية وخمس دقائق من مساء يوم السادس من اكتوبر عام 1973م/ الموافق العاشر من رمضان، بدأت معارك حرب أكتوبر المجيدة، وفي تلك اللحظة بالضبط، وبعد مرور ست سنوات على احتجازه الإجباري في البحيرات المرة، أصبح الأسطول الأصفر في مرمي عمليات وفي قلب منطقة حربية خطيرة للغاية، أصبحت قناة السويس جزء رئيسي في الحرب الدائرة، وأصيبت بعض سفن الاسطول بالشظايا المنهمرة، بينما كان مصير السفينة الأمريكية ( أفريكان جلين ) هو الغرق التام، بصاروخ إسرائيلي مزقها إربا، وبقيت تحت الماء حتى انتشالها في عام 1977م.
ولمدة ثلاثة أسابيع دارت المعارك الطاحنة، حتى بدا سريان الهدنة، وبعدها بدأت مرحلة المفاوضات المصرية الإسرائيلية، والتي عنت أن الحصار الطويل للأربعة عشرة سفينة الاسيرة في البحيرة المرة قد آن له الأوان لينتهي !
لكن الأمر استغرق وقتا طويلا جدا، فقد ظلت القناة مغلقة لسنوات طويلة، وخلال تلك الفترة أصبح المجري الملاحي مشغولا بعشرات الأجسام البحرية الغارقة على طول مجري القناة، وذلك جعل مسألة إعادة افتتاح القناة أمام الملاحة تتطلب عملا ووقتا اضافيا، وبدأت مرحلة أولية من التطهير للمجري، استغرقت شهورا وانتهت في عام 1975، وحصلت مصر على مساعدات فرنسية وبريطانية وأمريكية في هذا الصدد.
وأخيرا بدأت سفن ( الأسطول الأصفر ) تستعد للمغادرة، وأخذت الشركات التي تتبعها السفن ترسل المهندسين المتخصصين لفحصها، وإعادة تقييم حالتها ومقدرتها على الإبحار من جديد، وتم تدعيم الطواقم بعدد إضافي من البحارة والملاحين، وفي يوم
7 مايو غادرت السفينتين اللتين تحملان الجنسية الألمانية، لكن بقية السفن لم تستطع المناورة والعودة إلي العمل بشكل طبيعي، مما أستدعي القيام بسحبها وقطرها، لأن حالة محركاتها كانت سيئة وضعيفة للغاية .
وكانت نهاية قصة الأسطول الأصفر هذه مأساوية كنهايات التراجيديات الإغريقية، فقد أنتهي الحال بالسفن الأشد تضررا إلي تفكيكها وبيعها كخردة، وبعضها خضع لعمليات تجديد شاملة مكلفة، وتم الدفع بها إلي الخدمة مرة اخري،
بينما لقيت السفينة الألمانية ( مونستيرلاند ) نهاية سعيدة، حين وصلت ميناء هامبورج الألماني، بعد أن طالت غيبتها عن أرض وطنها لثماني سنوات وثلاثة أشهر، وهناك امتلأت الأرصفة ومنطقة ما حول الميناء بحشود المستقبلين، التي بلغ عددها حوالي ثلاثين ألف شخص !
...
وكأجزاء كبيرة من تاريخنا نُسيت قصة ( الأسطول الأصفر)، أو عوملت بتجاهل تام، حتى أعيدت إلي الحياة، وبرزت إلي الواجهة من جديد، مع اهتمام فنان سويسري، هو " أوريل أورلو"
، بالقصة وإحيائها في معرض خاص استضافه Uriel Orlow
مركز الصورة المعاصرة ،بين يومي 4 ديسمبر 2011 و9 يناير 2012م، تحت عنوان ( السفن الصفراء )، والذي ضم مجموعة صور نادرة تخص بحارة سفن ( الأسطول الأصفر )، ومقاطع فيديو، توثق أحداث تلك القصة العجيبة، التي تلاشت بكل أسف من الوعي الجمعي للمصريين، ولم يعد أحد يعرف عنها شيء إلا فيما ندر !
 
مصادر الموضوع :
1- مقال ( الأسطول الأصفر كان هنا ) موقع مدي مصر ، بقلم / عبد اللطيف الطحان
https://www.madamasr.com/ar/2015/08/05/opinion/u/%D9%82%D9%86%D8%A7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D9%8A%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%B7%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B5%D9%81%D8%B1-%D9%83%D8%A7%D9%86-%D9%87%D9%86%D8%A7/
2- مقال (معرض لفنان سويسري يكشف قصة "السفن الصفراء" في قناة السويس ) الأهرام 24 ديسمبر 2011
http://gate.ahram.org.eg/News/152566.aspx
3- http://www.bbc.co.uk/programmes/b00vrwrt
4- موسوعة ويكيبيديا ( مادة : yellow fleet )
5- موقع الفنان السويسري أوريل أورلو https://urielorlow.net/
 
 

أقرأ أيضا: فوز شركه مصر للبترول بذهبيه بطوله الشركات رقم ٥٧ بمحافظه بورسعيد

التعليقات

أستطلاع الرأي

هل تؤيد ضم الشركات متشابهة النشاط الواحد ؟