سوزان..السيدة التي أنارت طريق عميد الأدب العربي
أحب شخصية وتاريخ ونضال ومثابرة الدكتور طه حسين ، وأرى انه لم يكن بالشخص العادي ، لكنه كان شخصية خارقة ، صنعت منها المحنة أعظم منحة لمصر والعالم العربي ، والرجل الذي عاش فى ظلام مغمض العينين أنار للمبصرين طريقهم ، وهذا هو العهد بالعظماء على مر العصور ، فما من أديب ولا قائد ولا زعيم إلا وكانت المحنة بالنسبة له منحة من الله ، دفعته نحو الأفضل .
لم يمالأ طه حسين السلطان ولم يمالأ الوفد صاحب الأغلبية ولم يرضى عن الناس وهم يهتفون أن الحماية على يد سعد زغلول خير من الإستقلال على يد عدلي ، كان يعتقد أن المثقفين إذا عملوا بالسياسة فينبغي أن يعملوا لوجه مصر ، وقد جرفت السياسة المثقفين وذهبت بهم كل مذهب ولكن طه حسين دافع بعزم لا يلين عن ما يعتقده صواباً ، ودخل التاريخ من باب الثقافة والمعرفة ، والفتى الذي دخل الجامعة متعثراً في جبته وقفطانه صار عميداً لكلية الآداب ودافع عن إستقلال الجامعة حتى أطاح به السلطان ، وعندما صار وزيراً للمعارف أل على نفسه أن يكون التعليم للمصريين كالماء والهواء
واختفى زعماء وسقطت حكومات ولكن قلم طه حسين لم يسقط من يده وخاض به الكثير من المعارك ، وبهذا القلم صار عميداً للأدب العربي وصارت كتبه الكنز المشترك للعرب جميعاً .
وعندما تقدم باستقالته من الجامعة المصرية ، عاب عليه الكثيرين هذه الفعلة ، لكن زوجته سوزان أشارت عليه بالتراجع عن قراره ، فعمل برأيها وتراجع لأنها كانت صوت العقل بالنسبة له .
وحتى يرأب الصدع بينه وبين الأمير أحمد فؤاد ، أهداه كتابه "مختارات من الشعر اليوناني" ، وأثنى أحمد فؤاد رئيس الجامعة المصرية "جامعة القاهرة"، في ذلك الوقت على صنيع طه حسين ، ولم يكن الأمير في شغف إلى كتاب يهدى اليه بقدر شغفه في أن يكون طه حسين بوق من أبواقه يسبح بحمده .
لقد فجر فينا طه حسين فيضاً من النور وهو أسير الظلام ورأى مالم يراه المبصرون وعبر عن ضمير مصر فأحسن التعبير وسيبقى دائماً فى ذاكرة مصر ووجدانها وقلبها وعقلها .
وقد مضى طه حسين كما يمضي كل الناس ، لكنه يعيش في تلاميذه وكتبه ظلت مدرسة كل تلاميذ جدد مادامت هناك مطبعة تدور وصُحف تُنشر ، وسيرته ستبقى مضرب المثل على انتصار الإرادة.
ومهما كنت عظيماً سيطويك الزمن ، إلا صاحب القلم ، فإنه يطوي الزمن ويرحل ويفنى وتظل قطرات قلمه باقية بقاء الدهر .
وهكذا تكون عجلة الزمان ، تدور كالرحى ، لا تترك عظيماً ولا عالماً ولا أديباً إلا وطوته كما تطوى الصحف ، غير أن الأثر يبقى ما إن بقيت الدنيا ، وصدق الشاعر سيد حجاب عندما قال:
أيام ورا أيام ورا أيام ورا أيام
لا الجرح يهدى ولا الرجاء بينام
ماشي في طريق الشوق ماشي
لكن قلبي مطرح ما يمشي يبدر الأحلام.
من عتمة الليل النهار راجع
ومهما طال الليل بيجي نهار
مهما تكون فيه عتمه ومواجع
العتمه سور يجي النهار تنهار..وضهرنا ينقام.. أيام