السبت 26 أبريل 2025 الموافق 28 شوال 1446

مروه عطيه تكتب : شم النسيم عبر التاريخ

485
المستقبل اليوم

يعد شم النسيم من أقدم الاعياد التى يحتفل بها المصريون منذ آلاف السنين ويأتى مع بداية فصل الربيع، ومع اختلاف العصور وتبدل الثقافات حافظ المصريون على هذا العيد وإن تغيرا بعض مظاهره لكن بقى متحزر فى الوجدان الشعبى 
يعود اصل الاحتفال بشم النسيم فى العصر الفرعونى إلى الدولة القديمة حوالى ٢٧٠٠ ق.م. وكان يعرف بعيد شمو وتغنى بعث الحياة وكان الاحتفال يشمل الخروج إلى الطبيعة وتناول الأطعمة المقدسة كالأسماك المملحة والبصل والخس والبيض الملون.
وفى العصرين اليونانى والرومان استمر الاحتفال وإن اضيف له بعض الطقوس الهلنستية وظل مرتبطا بالربيع والطبيعة ومواسم الزراعة والخصب.
اما فى العصر القبطى فقد ارتبط شم النسيم بعيد القيامة المجيد لدى الأقباط وياتى يوم الاثنين التالى له واستمرت مظاهره بالخروج إلى الحدائق وتناول نفس الأطمعة التقليدية.
وفى العصور الاسلامية ومنذ فتح مصر لم يسع الفلاحون إلى طمس العادات الاجتماعية بل تأثروا بالعادات المحلية وشاركوا تدريجيا بعض الطقوس مثل الخروج إلى النيل وتناول الأطعمة المرتبطة باليوم وظل كذلك فى العصور العباسية والطولونية والاخشيدية بل وتطورت مظاهر الاحتفال لتشمل النزهات الجماعية والاحتفال فى المدن الكبرى كالفسطاط.
أما فى العصر الفاطمى فشهد شم النسيم أوج ازدهاره حيث دعمه الخلفاء الفاطميون ضمن سياسة دمج الشعب فى المناسبات، ويذكر أن الخلفاء كانوا يشاركون فى الاحتفال من شرفات قصورهم وتجهز الولائم العامة ويذكر المقريزى فى خططه "أن دار الخلافة الفاطمية كانت تبعث بصوان مملوءة بالبيض الملون والبصل والفسيخ إلى وجوه الناس"
وفى العصرين المملوكى والعثمانى احتفظ شم النسيم بطقوسه كاملة وارتبط بالاسواق وكانت المقاهى والبساتين تعج بالناس وظهرت أنشطة مثل ركوب القوارب فى النيل، وذكر الجبرتى فى عجائب الآثار " أن الناس كانوا يخرجون فى شم النسيم إلى النيل ويتناولون المأكولات الخاصة به مشيرا إلى رغبة المصريين فى الاحتفال به رغم اختلاف الزمان والحكام"
ومع بداية العصر الحديث اكتسب هذا العيد طابعا جديدا يجمع بين التقاليد الشعبية والروح الحديثة التى أدخلتها الأسرة العلوية فى مصر مما جعله عيدا شعبيا شاملا يحتفل به جميع فئات الشعب ولم تقتصر مظاهره على عامة الناس بل شاركت فيه الأسرة الحاكمة ايضا، ففى القصور الملكية لاسيما قصر عابدين وقصر القبة كانت تُنظم احتفالات خاصة بهذه المناسبة، وكان أفراد الأسرة الملكية يخرجون فى نزهات نيلية أو يجتمعون فى الحدائق الغناء حيث تزين القصور بالازهار وتقام الولائم الفاخرة، وأما الاحتفالات العامة فكانت تُرسل فرق موسيقية مجموعات ترفيهية إلى الحدائق الكبرى مثل حديقة الأزبكية وحديقة الحيوان بالجيزة لتشارك الناس فرحتهم وتضفى أجواء من البهجة على اليوم.
ومما لاشك فيه أن تأثير احتفالات أسرة محمد على امتد إلى العصور اللاحقة ولاتزال بعض مظاهره حاضرة إلى اليوم مثل ترسيخ عادة الخروج إلى الحدائق، كما أن تقديم الأطعمة التقليدية بشكل راق فى القصور ألهم تطور صناعة الأغذية المرتبطة بشم النسيم حتى أصبح الفسيخ والرنجة وجبتين رسميتين لهما طقوس خاصة فى المحلات والمنازل.
وأخيرا أصبح شم النسيم اجازة رسمية فى مصر فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر حيث تقرر منحه كعطلة رسمية ورغم أن الاحتفال به كما ذكرنا يعود لآلاف السنين إلا أن هذا القرار جعله ليس عيدا موسميا فحسب بل مناسبة تتجلى فيها روح التعايش بين جميع طوائف الشعب




تم نسخ الرابط