يوليو …ثانوية كريم بدوي ..بين التاريخ والإنجاز

من كان يتخيل أن اثنتي عشرة سنة مرت على لحظة فارقة في عمر هذا الوطن؟ إنه يوم ٣ يوليو 2013، اليوم الذي طوى فيه المصريون صفحة من أخطر فصول تاريخهم الحديث، حين أعلنوا نهاية حكم جماعة الإخوان، وزوال كابوس الطائفية والانقسام، ووقفوا على قلب رجل واحد في وجه من حاولوا جر البلاد إلى أتون حرب أهلية لا يعلم مداها إلا الله.
لم نكن نعلم حين انتفضنا في 2011 ضد حكم مبارك أن تلك الشرارة ستتحول إلى مخطط معقد تتنازع فيه البلاد أطرافٌ وجماعات، وتنقسم فيه الأمة إلى فرق وأحزاب، وأننا سنجد أنفسنا على حافة اقتتال طائفي لولا يقظة هذا الشعب وجيشه ومؤسساته.
لكن الغريب والعجيب أن يأتي نفس هذا التاريخ - ٣ يوليو - بعد أحد عشر عامًا، حاملاً لنا تغييرًا وزاريًا طال انتظاره، كانت أبرز ملامحه حقيبتي البترول والكهرباء، وكأن هذا التاريخ قد كُتب له أن يكون مفترق طرق دائم في حياة المصريين.
في ذلك اليوم من عام 2024، جاء اسم المهندس كريم بدوي كوزير للبترول والثروة المعدنية في مفاجأة من العيار الثقيل، لم يكن اسمه مطروحًا على طاولات الترشيحات أو في دائرة التكهنات، بل بدا ظهوره في التشكيل الحكومي كأنه صدمة إيجابية أو مقامرة محسوبة من صانع القرار.
رجلٌ قادم من مؤسسات اقتصادية وفنية عالمية كبرى، لم يخُض غمار البيروقراطية ولا عرف دهاليز الهيكل الإداري للقطاع، لكنه جاء محمّلًا بتكليفات ثقيلة في وقت شديد القسوة، كان القطاع يعاني من انهيار في الإنتاج، وغضب شعبي جارف نتيجة انقطاعات الكهرباء، وتوقف محطات التوليد لغياب إمدادات الغاز، مما جعل التغيير ضرورة وطنية لا تحتمل التأجيل.
وما إن تسلم الوزير الجديد مهامه، حتى وجد نفسه في وسط أمواج متلاطمة: موظفون ناقمون، التزامات مالية ضخمة لاستيراد الخام والمنتجات، شركاء أجانب محبطون، بيئة تشغيل تفتقد الكفاءة، وقطاع يئن تحت وطأة سنوات من التراكمات، لم يتردد في رسم خطوط عمل واضحة، وأسس لاستراتيجية جديدة، وبدأ بتنظيف المائدة من بعض تركات الماضي، إذ أجرى تغييرات مفصلية في بعض الجهات، وأبعد رجال “الدائرة الضيقة” للوزير السابق بهدوء وذكاء.
لكن الأهم، أنه توجه إلى العاملين بنفسه، بلغة جديدة عنوانها: التواضع، والإنصات، والمشاركة، وكسب الثقة، لم يمر يوم في عامه الأول دون لقاء مع شريك أجنبي أو مستثمر، بل سافر إلى بلدان عدة في سابقة لم نعهدها في وزراء البترول من قبل، زار الحقول بنفسه، مرتديًا زي العمل، في رسالة رمزية أنه ابن المدرسة الفنية العملية، لا الإدارية الباردة.
ورغم تلك الجهود، كانت الحقيقة مؤلمة: مشكلات القطاع أعقد وأعمق من حقل أو بئر أو محطة.
لم يعد حقل “ظُهر” هو القضية، بل أصبحت القضية في منهجية العمل، وهيكل التمويل، والمردود الاقتصادي، وتراكم القصور الفني والإداري.
الوزير يعرف أن لا عصا سحرية لديه، فما حدث خلال عشرات السنين لا يمكن إصلاحه في شهور.
لكن السنة التي مضت لم تخلُ من إشارات إيجابية، خاصة في ملف قانون الثروة المعدنية الجديد، وطرح تصورات متقدمة للتعامل مع الشركاء الأجانب، وإعادة هيكلة خريطة الامتيازات والإنتاج.
ومع ذلك، ما زالت السلامة المهنية غائبة في كثير من المواقع، وما زالت الحوادث المؤسفة تلاحقنا، كان آخرها قبل يومين فقط، بما يؤكد أننا لم نتخلص بعد من الإهمال وغياب المسؤولية، وأن تغيير الثقافة أصعب بكثير من تغيير اللوائح أو الأشخاص.
في هذه الذكرى الوطنية والوزارية، نقول:كل عام وشعب مصر العظيم بخير،وكل عام وقطاع البترول في تقدم، وكل عام ووزيره بخير، يا من أصبحت اليوم عضوًا أصيلًا في أسرة البترول المصري.”
سيدي الوزير، لقد نلت شرف الانضمام إلى بيت نفتخر به جميعًا، وعليك أن تتحمل مسؤوليته كما ينبغي، نطلب منك العدل في الاختيار، والإنصاف للمحاربين القدامى، ورعاية مصالح أبناء القطاع العاملين والمتقاعدين، فهم يستحقون أكثر مما يُمنح لهم.
أما الوطن، فهو ينتظر منك الكثير، والفرصة ما زالت أمامك لتكون واحدًا من صُنّاع النهضة، لا مجرّد شاهد على مرحلة.
#المستقبل_البترول