بين الناس وألماس في جنوب أفريقيا…د حنان عبدالمنعم

حين تطأ قدماك أرض جنوب أفريقيا، تشعر وكأنك تمشي فوق مزيج نادر من الألماس والبشر. بلد تتلألأ أرضه بثروات طبيعية لا تُقدّر بثمن، وتتلألأ روحه بصبر شعبه وتاريخه العميق. هنا، لا تكتفي الطبيعة بجمالك؛ بل تُجبرك على التأمل في قصة شعبٍ عانى، وصبر، ونجح في أن يكتب سطورًا جديدة في التعايش والكرامة.
بين التاريخ والحاضر
جنوب أفريقيا بلد لا يمكنك أن تفهمه دون أن تمر عبر بوابة اسمه نيلسون مانديلا، الرجل الذي خرج من زنزانة إلى رئاسة الجمهورية، لا ليُعاقب، بل ليُصلح. مانديلا لم يكن مجرد قائد سياسي؛ بل زعيم إنساني أعاد تعريف القوة الحقيقية بأنها التسامح، والقيادة بأنها خدمة، والعدالة بأنها لا تكتمل بالانتقام، بل بالمساواة.
عقود من التمييز العنصري جعلت من البلاد ساحة للصراع بين “بيضاء البشرة” التي امتلكت النفوذ والثروة، و”سمراء البشرة” التي طالما كافحت لنيل أبسط الحقوق. ومع نهاية نظام الأبارتايد، بدأت جنوب أفريقيا رحلة التحول الكبرى. لم تكن الطريق سهلة، لكنها كانت ضرورية.
العلاقات بين البيض والسود: من الكراهية إلى التفاهم
ما يميز جنوب أفريقيا اليوم هو هذه المحاولة الصادقة – حتى وإن كانت غير مكتملة – لبناء مجتمع يتسع للجميع. نعم، لا تزال هناك فجوات اجتماعية واقتصادية، ولا يزال 64٪ من أصحاب البشرة السمراء غير مكتملي التعليم، لكن ما يُلهمك هو أن المتعلمين منهم يصلون إلى أعلى المناصب، ويقودون قطاعات حيوية في الاقتصاد والسياسة والتعليم.

تشعر بهذا التحول في الشارع، في الفنادق، في الجامعات، وفي النقاشات اليومية. هناك قبول متبادل يتشكل ببطء، وثقة تُبنى رغم الندوب. العلاقات بين البيض والسود في جنوب أفريقيا ليست مثالية، لكنها حقيقية – مبنية على مواجهة الماضي، لا إنكاره.
بريتوريا: لوحة طبيعية تنبض بالحياة
في العاصمة بريتوريا، تتنفس الطبيعة بألوان أزهار الجاكاراندا البنفسجية التي تملأ الشوارع في فصل الربيع. مدينة هادئة، أنيقة، تعكس جانبًا آخر من جمال جنوب أفريقيا. بين مبانيها الحكومية وحدائقها الواسعة، ترى التوازن بين النظام والانفتاح، بين التاريخ والحياة اليومية.
كيب تاون: لؤلؤة لم أرها بعيني ولكن…
رغم أنني لم أزر كيب تاون، إلا أنني قرأت عنها كثيرًا، وشعرت بسحرها من خلال القصص والصور. مدينة تعانق الجبل والمحيط، ويعيش فيها تنوع عرقي وثقافي نادر. هي رمز آخر لإمكانية التعايش حين تتوفر الإرادة والاحترام.

بين الألماس والبشر: التحديات لا تُخفي الأمل
جنوب أفريقيا ليست فقط غنية بالألماس الذي تُشتهر به، بل أغنى بأرواح ناسها. قوة هذا الشعب لا تكمن فقط في الصمود، بل في اختياره للسلام رغم الألم، وفي قدرته على تجاوز الظلم بتفاهم وشجاعة.
تعلمت من رحلتي أن الإنسان يستطيع أن يكون ألماسة حقيقية حين يختار النور على الظلام، والتسامح على الانتقام، والحوار على العنف. وهذا ما رأيته في جنوب أفريقيا