مجرد رأي… فرحات والأسطى فانوس أفندي

في رائعة الأستاذ أحمد رشدي صالح (الزوجة الثانية)، والتي تحوّلت إلى فيلم سينمائي على يد العبقري صلاح أبو سيف، ذلك الفيلم الذي يحفظه الجميع عن ظهر قلب، لأنه من الملاحم الاجتماعية والدراما الإنسانية العميقة والخالدة.
وخلاصته: أنك مهما كنت حاذقًا، ذا سلطة أو فكر أو تخطيط، ستجد أن أبسط الأمور قد تفسد عليك كل ذلك، وتعود إلى الأرض خالي الوفاض.
ولكن ما جذب انتباه “سقراط” في هذه الرواية، هو شخصية الأسطى فانوس أفندي، تلك الشخصية التي تلازم صاحب الأمر والنهي، وتمسك بالدفتر الذي يحوي كل شاردة وواردة عن سكان القرية. دفترٌ محفوظ ، لا يفقهه سوى هذا الرجل الخطير، الذي يعرف ويعدّ على الناس أنفاسهم.
تذكّرته وأنا أتابع ما سُمي بـ”الحركة الأخيرة” في مجتمع البترول، واتجه تفكيري: من يكون الأسطى فانوس أفندي في هذا المجتمع؟ من الذي يحوز دفتره السري، ويعرف أسباب إقالة رؤساء شركات لم يظهر في الأفق ما يعكر صفو أعمالهم – على الأقل من وجهة نظرنا – واقصد هنا المهندس عبدالفتاح فرحات رئيس شركة غازتك- بينما يظل المسؤول عن فضيحة البنزين المدوية حرًا طليقًا، يتمتع بكامل امتيازاته، وكأن الأمر لا يعنيه في شيء؟
وهذا الدفتر أيضًا يحوي الأسماء الخفية للمناصب الشاغرة، التي لم تُملأ بعد، وكأنها تحمل دينًا لم يُوفَّ بعد. وهذه نيابتا الإدارية والمشروعات ، خير دليل وشاهد .
ويشمل كذلك الاستحقاقات التي تقع على كاهل رؤساء شركات أثقلت أخطاؤهم، وتباطأت خُطاهم، فأصبحوا يأخذون ولا يعطون، حتى تراكمت ديونهم ووجب سدادها.
ذلك الدفتر خطير، كبير، وبه من الدهاليز والمعلومات ما لا يرقى إلى مستوانا المتواضع، فنغدو صغارًا في عالمٍ كبير، فيه شواهق من الخفايا، لا يجرؤ البصر حتى على التحليق نحوها.
ويبقى الأسطى “فانوس أفندي البترول” شخصية أسطورية، لا يُعرف من هو على وجه التحديد، وكل تخمين أو رجم بالغيب باسمه أو شخصيته، يُقابَل برأي مضاد أو نفيٍ قاطع، بإيمانٍ راسخ من الجميع بأن لا أحد يعلم شيئًا عن تلك الأمور، وكأنها نزلت كوحي من السماء.وكأن رسول السماء نزل اليه ليلاً في تمام الواحدة وقال له : فليذهب عبدالفتاح فرحات للجحيم ، وأنِ مرسل لك بذلك .
لكن تظل الحقيقة الخالدة التي انتهت بها تلك الرواية: أنك مهما كنت حصيفًا، ذا فكرٍ وتخطيط، فإن أقدار الله أذكى، وأسرع، وأشد مباغتة.
ودفتر فانوس أفندي ما زال يحوي الكثير عن إمبراطورية التخطيط والفساد، التي يعيش فيها كثيرون لا يستحقون مناصبهم… وسيسقطون بأوهى الأسباب، مهما ترددت على مسامعهم عبارات الإطراء: “يا سلام على الحنية… يا سلام على الإنسانية…”والدفتر ما زال مفتوحًا…والقلم ما زال يكتب…والسلام .
#سقراط