الجمعة 27 يونيو 2025 الموافق 02 محرم 1447

د. محمد العليمي يكتب: الصُدف لا تُزهر في أرض الخاملين

207
المستقبل اليوم

كثيرون يجلسون على أرصفة الانتظار، يحدّقون في الأفق بأمل أن تهبّ عليهم نسمة حظ تغيّر مجرى أيامهم، يغفلون أن البحر لا يُهدي درره لمن لم يبلل قدميه، ولا يمنح لآلئه لمن لم يغص في أعماقه. يتغنّون بالحظ، وكأنه طيفٌ عابر، يطرق الأبواب متى شاء، ويُمنَح دونما حساب. لكنّ الحقيقة أن الصدف لا تزهر في أرض الخاملين، ولا تولد إلا في حقول الساعين، فالصدف لا تهبط من سماءٍ عشوائية، بل تُستدرج بخطى المثابرين، وتُستولد من رحم العناء.

الصُدف، وإن أبهجتنا مباغتتها، لا تطرق أبواب المتواكلين. إنها كالعنقاء، لا تولد إلا من رماد الجهد. تولد على هامش التعب، في اللحظة التي تظنّ فيها أن كل شيء أوشك أن ينهار، ثم تفاجئك الحياة: “خذ، هذه مكافأتك. تلك الصدف التي تُروى في القصص على أنها لحظات حظ، هي في الأصل ثمرةُ سعيٍ طويل، جُرّد من سرده في الرواية، ليبدو كل شيء محض صدفة.

إن من نراهم “محظوظين”، ما كانوا كذلك بالجلوس وانتظار الفرج، بل أقاموا من خيباتهم سلالم، وارتقوا بها رغم العثرات. شقّوا طريقهم في العتمة، وراهنوا على شُعلةٍ صغيرة في آخر النفق. وتحت كل نجاحٍ باهر، هناك أنينُ ليالٍ طويلة، وخُطى مرتجفة فوق دروبٍ موحلة، ويقينٌ بأن الغيث لا يهطل على أرضٍ هجرتها البذور.

فلا تخدعك الحكايات التي تبدأ بـ”صدفة”، ففي الغالب كانت الصدفة تتربص عند زاوية الصبر، تنتظر أن تراك منهمكاً، غارقاً في محاولتك الأخيرة، لتقول لك الحياة عندها: “الآن، تستحقها.




تم نسخ الرابط