د شيرين أبو خليل تكتب: الاستدامة تطور أم ضرورة؟

في السنوات الأخيرة، أصبحت كلمة "الاستدامة" تتردد في شتى مجالات الحياة: في الاقتصاد، والبيئة، والمجتمع، وحتى في نمط حياتنا اليومى. والسؤال هنا الذى يطرح نفسه: هل الاستدامة مجرد تطور طبيعى في مسار البشرية، أم أنها باتت ضرورة لا يمكن تجاهلها لضمان استمرار الحياة على كوكب الأرض؟
 ببساطة شديدة، الاستدامة تعنى تلبية احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها من الموارد، وذلك على ثلاثة محاور:

الاستدامة البيئية: وتعنى حماية الموارد الطبيعية والتنوع البيولوجى والحد من التلوث، الاستدامة الاقتصادية: وتعنى تحقيق النمو الاقتصادى مع استخدام فعال للموارد، وأخيراً الاستدامة الاجتماعية: وتشير إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة وجودة الحياة لكل فئات المجتمع.

لذا في البداية كانت الاستدامة بمثابة تطور فكرى وحضارى، بمعنى أنها خطوة نحو مزيد من الوعى والمسئوليةتجاه البيئة والمجتمع، إذ بدأت الحكومات والمنظمات تدرك أن التنمية لا يمكن أن تقوم على استنزاف الموارد، بل يجب أن يكون هناك توازن واستمرارية ، لذا كانت إعادة التدوير، واستخدام الطاقة المتجددة مظهر للتقدم والحداثة.
 

أما الآن فقد أثبت لنا الواقع أن الاستدامة لم تعد خياراً أو رفاهية، بل أصبحت ضرورة وجودية ملحة لضمان استمرار الحياة بشكل أفضل وأكثر أماناً على كوكب الأرض.
 

وخلاصة الأمر، أن الاستدامة لم تعد مجرد توجه حضارى، بل صارت شرطاً للبقاء، فالأنظمة التي تتبنى سياسات مستدامة تواجه أزمات اقتصادية، وصحية، وبيئية خطيرة، وببساطة: -
 أود الإشارة إلى أن مفهوم "الاستدامة" أحد القيم العميقة التي أكد عليها القرآن الكريم، إذ يدعو الإنسان إلى الاعتدال في استخدام الموارد وعدم إفساد الأرض. يقول تعالى: "ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها"، وهى دعوة لحماية البيئة وصون توازنها. كما يحثنا القرآن بشكل واضح وصريح على عدم الإسراف في الاستهلاك. فيقول تعالى: "ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين". 
 

وهذا أساس كل ممارسة مستدامة، فالتوازن بين حاجات الإنسان وحماية خيرات الكون يعكس جوهر الاستدامة الحديثة، ويظهر كيف سبق القرآن إلى ترسيخ منهج من شأنه أن يحفظ الموارد للأجيال القادمة، ويجعل الإنسان خليفة مسئولاً عن إعمار الأرض لااستنزافها.
"فالاستدامة بدأت كتطور فكرى لكنها تحولت إلى ضرورة حتمية".