د. جمال القليوبي يكتب: الغاز الإسرائيلي… ورقة سياسية أم اقتصادية؟
منذ الوهلة الأولى التي استخدم فيها الإعلام العبري العديد من الموضوعات التي أُلحقَت بالإعلان عن اتفاقية جديدة لشراء المصريين للغاز الإسرائيلي حتى عام 2035، بكميات تصل إلى 130 مليار متر مكعب، تُقدَّر قيمتها بحوالي 35 مليار دولار، تعددت القضايا التي ربطتها الصحف العبرية والمتحدثون الرسميون للحكومة الإسرائيلية بتلك الاتفاقية.
ومن بين هذه الموضوعات، إعطاء نتنياهو أوامره لوزير الطاقة الإسرائيلي كوهين بعدم إحراز أي تقدم في الصفقة، بل عللت الصحف ذلك بأنه أمر بتأجيلها لحين الانتهاء من اتفاق الهدنة في غزة، بل واعتبرتها ورقة مساومة على مصر للحفاظ على اتفاقية كامب ديفيد للأمن، ودفع مصر إلى العودة لتنفيذ بنودها.
وهناك رواية أو موضوع آخر أراد نتنياهو بثّه في الداخل الإسرائيلي، مفاده أن المنافع الاقتصادية من صفقة الغاز ستجلب الكثير من الدعم للاقتصاد الإسرائيلي المُرهق، والذي يدعمه ويؤمّنه اللوبي الصهيوني في أمريكا، بالإضافة إلى ما هو أهم، وهو حرص المصريين على استيراد غاز رخيص الثمن مقارنة بالغاز المسال مرتفع التكلفة، بما يعني استمرار تمسك مصر بالسلام أمام الداخل الإسرائيلي، وعودة الاطمئنان وإزاحة الفزع الذي أحدثه الجيش المصري وعتاده العسكري المتنوع، الذي كان مفاجأة لهم وأثار الهلع لدى العديد من القادة العسكريين الإسرائيليين، والذين بدورهم نقلوا الخوف والترقب إلى الداخل الإسرائيلي، تأهبًا من هجوم أو أي تحرك مرتقب من الجبهة المصرية.
وهناك رواية أخرى تناولتها صحف عبرية وأمريكية، تتعلق بإلغاء زيارة وزير الطاقة الأمريكي إلى إسرائيل بسبب تدخل نتنياهو ووقف توقيع اتفاق بيع الغاز لمصر، كما أوضحت توقف شركة شيفرون عن استكمال مشروعات تنمية وتطوير حقل ليفاثان، والذي كان مستهدفًا فيه حفر آبار إضافية لزيادة الإنتاج ومنه أيضًا التصدير إلى مصر والأردن، وكذلك تنفيذ الدراسة التي كان مستهدفًا منها بناء محطة للغاز المسال في حيفا اعتمادًا على بيع الغاز.
ويبدو أن التصورات الكثيرة التي وضعتها حكومة نتنياهو ما هي إلا أوهام تدور في فلك الغطرسة والكبر والاحتماء بالدعم الأمريكي، فكل الدلائل تشير إلى أن أمام إسرائيل خيارين لا ثالث لهما: إما الاحتفاظ بالغاز داخل أراضيها، وإما تصديره إلى السوق المصري، إذ لا يوجد خيار ثالث، ولن تكون هناك مصروفات تنمية وتطوير لحقل ليفاثان أو حتى حقل تمار إلا من خلال بيع الغاز.
أما بالنسبة لمردود صفقة الغاز الإسرائيلي على مصر، فلن نجد لها أي تأثير سياسي أو اقتصادي، أو حتى أي تأثير سلبي على الاستهلاك المحلي، ويعود ذلك إلى الدور الناجح لقطاع البترول المصري في جعل صفقة الغاز الإسرائيلي مجرد خيار واحد ضمن عدة خيارات متعددة وفّرها القطاع لتلبية احتياجات السوق المحلي بمختلف نواحيه.
فنجد أربع سفن تغييز بقدرات تحويل يومية تصل إلى 3 مليارات قدم مكعب، والتعاقدات المتنوعة مع شركات عالمية يزيد عددها على خمس شركات لاستيراد شحنات غاز مسال لفترات زمنية سنوية، فضلًا عن زيادة قدرات عمليات التنمية والتطوير في الحقول سواء بالبحر المتوسط أو الدلتا أو الصحراء الغربية، وكذلك تسريع الانتهاء من إنشاء خط الغاز البحري القاهرة–نيقوسيا لاستقبال نحو 1.4 مليار قدم مكعب يوميًا من حقول أفروديت وأركوس القبرصية بحلول صيف 2026.
وعليه، نجد أن القاهرة لا تُلقي بالًا لما تصدره الصحف العبرية أو حكومة نتنياهو من أوهام تسعى إلى تصديرها بشأن استخدام صفقة الغاز الإسرائيلي كورقة ضغط سياسي أو اقتصادي (ويقصد بذلك الضغط الأمريكي ووهم احتياج السوق المصري للغاز)، وأن القاهرة ماضية في التأهب والتجييش في سيناء لقطع الآمال والأوهام التي ظنت فيها إسرائيل أنها تستطيع فرض التهجير القسري لأهالي غزة إلى سيناء.
وقد أعلنت مصر أن السلام مُجمَّد، ولا تفاوض أو تنسيق مع إسرائيل، في ظل استمرارها في الاعتقاد بأن قوتها تُخيف من حولها، بينما تبدو الصورة أكثر وضوحًا داخل إسرائيل والولايات المتحدة، حيث إن الجيش المصري قد كشف عن أنيابه في ربوع سيناء وعلى طول السور الحدودي، ويمتلك القدرة على صناعة أكتوبر جديد في أي لحظة، متأهبًا وبقوة يهابها قادة إسرائيل، بل ويخشى منها حتى من غادروا إسرائيل وعادوا إلى بلدانهم، تاركين تل أبيب إلى السفرديم، الذين لا مأوى لهم سواها…
وإلى تكملة قادمة.