الإثنين 22 ديسمبر 2025 الموافق 02 رجب 1447

هشام لطفي بليح…الرقم الصعب في معادلة قطاع البترول

290
المستقبل اليوم

لا شك أننا الآن في زمنٍ تعالت فيه الأصوات، وباتت فيه المناصب تُقاس بالصوت العالي لا بالأفعال، وهذا ما يجعلنا نستعيد اسم الدكتور هشام لطفي بليح وهو واحدًا من الأسماء القليلة التي اقترن أسلوب عملها بالصمت والإنجاز الحقيقي، واحترام فكر الدولة ومؤسساتها.

لم يكن هشام لطفي مجرد وكيل سابق لوزارة البترول للشئون الإدارية، بل كان مدرسة متكاملة في الإدارة القانونية الرشيدة، وعقلًا استراتيجيًا حافظ على توازن قطاع البترول في أكثر مراحله حساسية.

منذ أن تولى موقعه، أدرك الدكتور هشام لطفي أن “القانون” داخل قطاع بحجم وتعقيد قطاع البترول لا يجب أن يكون أداة صدام، بل صمام أمان. فجمع القانونيين حوله لا باعتبارهم موظفين، بل باعتبارهم شركاء في حماية الدولة، وكان خروجه بقانون الإدارات القانونية نقطة تحول حقيقية أعادت للوظيفة القانونية معناها، وفرضت لها احترامها ومكانتها داخل القطاع.

خاض الدكتور هشام لطفي بليح معارك شرسة في ملفات التحكيم الدولي، معارك لم تكن تُدار أمام الكاميرات، لكنها كانت كفيلة – لو أُهملت – أن تُكبد الدولة خسائر فادحة، وأن تضع القطاع في مهب أزمات دولية معقدة. وبحكمته وخبرته وقراءته الدقيقة للنصوص والاتفاقيات، استطاع أن ينقذ قطاع البترول من كوارث كانت وشيكة، حافظ من خلالها على أموال الدولة وسمعتها وحقوقها.

ما ميّز هشام لطفي ليس علمه القانوني، بل قدرته النادرة على الجمع بين الحنكة والذكاء، بين الصرامة والمرونة. عرف جيدًا حجم كل طرف يتعامل مع القطاع؛ فأنصف الصغير دون أن يتركه يعبث، واحترم الكبير دون أن يسمح له بالتغول. صنع توازنًا دقيقًا في علاقة القطاع بكل من يتعامل معه، محليًا ودوليًا، مؤسسات وأفرادًا.

كان رجل تهدئة لا رجل افتعال أزمات. لم يدخل القطاع في معارك غير محسوبة، لا مع الكبار ولا مع الصغار، لا مع المؤسسات ولا مع الأفراد. وعلى مدار أكثر من إثنى عشر عاما، ظل يعمل بهذا النهج الهادئ الرصين، فانعكس ذلك استقرارًا وثقة واحترامًا متبادلًا.

ولعل ما لا يعرفه كثيرون أن الدكتور هشام لطفي هو أحد خزائن الذاكرة الاستراتيجية للقطاع. ملفات كبرى بحجم تحويل مصر إلى مركز إقليمي للطاقة، ورئاسة منتدى غاز شرق المتوسط، والعلاقات المعقدة مع الشركاء الدوليين، وقضايا الغاز والتحكيم… كلها محفوظة في ذاكرته عن ظهر قلب، ليست كملفات فقط، بل كتجارب ومعارك وقرارات صُنعت في لحظات فارقة.

وكان قربه من الوزير السابق المهندس طارق الملا مثالًا واضحًا لدور رجل الدولة الحقيقي؛ سمعه وبصره، ومستشاره الأمين، لا يقدم رأيًا إلا وكان صادقًا، ولا يطرح مشورة إلا وقدّر عواقبها، فكانت النصيحة في محلها، والقرار في توقيته.

الدكتور هشام لطفي بليح ليس مجرد قيادة سابقة في القطاع، بل نموذج لرجل احترم قطاع البترول، واحترم الدولة، واحترم موقعه، فترك أثرًا لا يُقاس بعدد القرارات، بل بعمق الاستقرار الذي صنعه، وبهدوء العاصفة التي منعها قبل أن تقع.

وفي هذا الزمن الذي عزَّ فيه الرجال، يبقى هشام لطفي علامة مضيئة في تاريخ قطاع البترول، ورقمًا صعبًا في معادلة القانون، والتوازن، وحكمة رجل الدولة. والعزاء الوحيد أنه ترك فى القطاع رجال أمثال: محمد الباجوري فى الوزارة وأيمن حجازي فى الهيئة وهاني علام في إيجاس، وحسام عبدالرحمن في جنوب وحسام البحيري فى تنمية والريدي في إيكم وهاني في جاسكو ، وغيرهم كثيرون .

#المستقبل_البترولي




تم نسخ الرابط