فكري يوسف وجيل الدولة الذي نعبر به من الماضي للحاضر
لا تأتي قيمة الحديث عن الجيولوجي فكري يوسف من كونه اسمًا عابرًا في سجل المناصب، بل من كونه نموذجًا لجيل كامل من قيادات قطاع البترول، جيل تشكّل وعيه المهني في زمن كانت فيه الدولة هي المرجعية الأولى، وكانت الإدارة فعلًا يوميًا شاقًا لا مادة للعرض أو التسويق.
جيل الأمس، الذي ينتمي إليه فكري يوسف، لم يكن جيل لافتات أو بيانات إعلامية، بل جيل المواقع والملفات الثقيلة، وهنا تُقاس الكفاءة بقدرة المسئول على إنهاء التعقيد، لا بإعادة تصديره للعامة والخاصة. اثنا عشر عامًا في موقع وكيل أول وزارة البترول لشئون التعدين لم تكن مجرد مدة زمنية طويلة، بل كانت شهادة على ثقة وزارة نادرًا ما تُمنح إلا لمن يجيد ضبط الإيقاع داخل هذا الكيان الأكثر تعقيداً .
في المقابل، جاء جيل اليوم إلى مواقع المسئولية في زمن مختلف، وهو زمن السرعة والسوشيال ميديا،والإنجاز السريع، حيث يُطلب من القيادي أن يكون حاضرًا في الصورة بقدر حضوره في صنع القرار، هذا التحول لا يحمل بالضرورة إدانة، لكنه يفرض مقارنة موضوعية:
هل الأولوية للقرار المحكم أم للظهور المُقنع؟
فكري يوسف لم يكن قائدًا كاريزميًا بالمعنى الشائع، لكنه كان قيادة إجرائية، يفهم أن أي فكرة—مهما بدت جذابة—لن تعيش دون غطاء قانوني ولائحة منضبطة، من هنا أدار كثيراً من الكيانات بطريقته المُثلى، حتى فكرة تحويل هيئة الثروة المعدنية إلى هيئة اقتصادية، كانت فكرته من الأساس، وعمل عليها كثيراً ،فكرة سبقت زمنها لأنها انطلقت من فهم عميق لبنية الدولة، لا من رغبة في تحقيق إنجاز سريع، وسرعان ما تحولت الفكرة التي عمل عليها لواقع نعيشه الآن بعد أن غادر فكري يوسف منصبه، لكنه ليس بعيداً عن الأحداث، بأعتباره وطنياً من الطراز الفريد، وجسر نعبر به من الماضي للحاضر .
بلا شك فإن جيل الأمس كان يميل إلى تراكم الإصلاح، لا القفز فوق المراحل والسنين . كان يُصلح بصمت، ويترك الكيانات تتحدث عنه بعد رحيله. أما جيل اليوم، فيتحرك غالبًا تحت ضغط التقييم اللحظي، وهو ما يدفع بعضه إلى حلول سريعة، قد تُرضي اللحظة لكنها لا تصمد طويلًا.
ومع ذلك، فإن المقارنة العادلة تقتضي القول إن الزمن تغيّر، وأدوات الإدارة تغيرت، وما كان يصلح بالأمس قد لا يكفي اليوم. لكن الثابت أن الدولة—في كل زمن—تحتاج إلى مزيج متوازن:
حكمة جيل الأمس، ومرونة جيل اليوم.
وللأمانة التي قد يعترف بها فكري يوسف نفسه، فإنه لم يكن معصومًا من الخطأ، لكنه كان ابن مدرسة تعرف معنى المسئولية، وتدرك أن المنصب مرحلة، بينما الأثر هو الباقي. وربما هنا تكمن الرسالة الأهم:
أن تستفيد الدولة من خبرات الأمس، دون أن تُقيّد حركة اليوم، وأن يُدار الاختلاف بين الأجيال بالتكامل لا بالإقصاء.
وفي زمن تتبدل فيه القيادات بسرعة، يصبح استحضار نماذج مثل فكري يوسف ضرورة، لا لتقديس الماضي، بل لتذكير الحاضر بأن الإدارة ليست عرضًا مؤقتًا، بل بناء طويل النفس… لا يراه الجميع، لكنه يحمي الجميع.
#المستقبل_البترولي