الإثنين 30 ديسمبر 2024 الموافق 29 جمادى الثانية 1446

لستُ بطلاً لما أكتبه .. فالشعراء يتبعهم الغاوون

428
المستقبل اليوم

لستُ بطلاً لما أكتبه  .. فالشعراء يتبعهم الغاوون 


ليس بالضرورة أن كل ما نكتبه موجهاً لأنفسنا ، ويحكي عنا ويجسد حياتنا ويحكي تجاربنا ، والحقيقة انه في أحيان كثيرة لا يمت لنا بصلة من قريب أو بعيد ، وهكذا الفعل ، فليست كل أفعالك معبرة عن شخصيتك ، أحياناً المواقف تجبرك على فعل شيء لا يروق لك ، المسئولية والمنصب يدفعانك لاتخاذ قرار لا ترضى عنه ، الإجبار أحياناً يأخذنا الى دائرة بعيدة عن تلك الدائرة التي نعيش فيها.


لكنها عادة الكتاب والأدباء والمفكرين والمسئولين أيضاً ، يقراءون ويفكرون ويبدعون ويحكون ويقولون ويسطرون الكلمات ويسوقونها للملايين أو العشرات من البشر ، منهم من يعمل بها ومنهم من يتركها ، الأمر تماماً مثل الشعراء ، "ألم ترى أنهم في كل وادٍ يهيمون وأنهم يقولون مالا يفعلون "، هكذا المسئولين يتخذون العديد من القرارات ، المنصب وحده أجبرهم على اتخاذها .


كثيراً ما نكتب عن الحب والعشق ، وعن المرأة وعن الزواج والطلاق ، نكتب عن الأفراح والأحزان وعن الغنى والفقر ، عن الأبناء وسوء تربيتهم أو استقامتهم ، عن سلوكيات الناس والأحوال المعيشية والغلاء وارتفاع الدولار ، عن السيارات الفارهة والرحلات لجزر المالديف والتسوق من فرنسا والتزحلق على الجليد فى بلدان القطب الشمالي ، نكتب كثيراً عن الأخلاق ومكارمها وعن الخيانة وسوء عاقبتها ، نكتب عن قطيعة الأرحام وفوائد وصلها ، نكتب أشياء كثيرة ، لا تحكي عن حياتنا ولا تجاربنا ولا واقعنا ، فليس معنى أن نمدح الأغنياء بأننا منهم ، ولا عن الحب بأننا نحب ، ولا عن الخيانة بأننا خائنين ، نحن لسنا مثل الفاروق الذي طبق العدل على نفسه أولاً ثم على الناس ، ولا مثل علي الذي عمل بالحكمة ثم ساقها للناس ، ولا أبو بكر الذي أحب الفقراء وكره المال فتبرع به في سبيل الله وتحرير العبيد ، نحن أشخاص عاديون، ندعو للفضيلة وأحياناً نرتكب الخطيئة ، نحض الناس على القناعة ويرهقنا عدم الثراء ، ننتقد الظواهر السلبية ونكون أول من يشارك في صنعها ، ننتقد لبس السيدات ومظهرهن ، ونركض خلفهن ، نحب الفتاة الذكية الجميلة المتحدثة المبتسمة، وعندما نفكر فى الزواج نبحث عن صندوق مغلف لا يُرى بالعين المجردة .


الأديب العالمي نجيب محفوظ ، وهو ذاكرة الشعوب منذ أكثر من مائة سنة ماضية وألف سنة قادمة وربما أكثر ، سطر 55 كتاب و35 رواية و15 قصة ، وأنيس منصور ألفَّ 200 كتاب وعدد من المسرحيات والروايات ، والعقاد ألفَّ أكثر من 100 كتاب ونشر 15 ألف مقال ، ولم تكن كل هذه الكتابات جميعها تحكي عن تجاربهم ولا عن حياتهم الخاصة ، اللهم إلا القليل منها .


السوشيال ميديا جعلت من كل شخص كاتب ومبدع وصحفي وإعلامي ومثقف وأديب ومسئول ورئيس وقائد ، اختلط على الناس الفرق بين سارقي الثقافة وصانعيها ، بين المسئول الحقيقي ومن يتمسح فيه ، البعض اعتبر ألم المخاض الذي تشعر به السيدات ويحكون عنه على صفحاتهم أدباً ، بل تجربة يجب أن يتعلم الجميع منها ، في محاولة للخلط بين الغث والثمين ، والفكر واللا فكر والوعي واللا وعي ، وهذا ما افسد الذوق العام والثقافة والأدب وحتى الفن ، ولم يعد يفرق الناس بين ما يُكتب في سياقه الفكري والأدبي ، وبين ما يحكي على جلسات المصاطب الفيسبوكية .


أحمد بك شوقي كتب في قصيدته المثيرة للجدل، محتفلا بانتهاء شهر رمضان المعظم قائلاً: 

رَمَضانُ وَلّي هاتِها يا ساقي .. مُشتاقَةً تَسعى إِلى مُشتاقِ 

ما كانَ أَكثَرَهُ عَلى أُلّافِها..وَأَقَلَّهُ في طاعَةِ الخَلّاقِ 

اللَهُ غَفّارُ الذُنوبِ جَميعِها .. إِن كانَ ثَمَّ مِنَ الذُنوبِ بَواق

الأَمسِ قَد كُنّا سَجينَي طاعَةٍ .. وَاليَومَ مَنَّ العيدُ بِالإِطلاقِ

وبدا من كلمات القصيدة التي نشرتها الصحف المصرية في وقتها، كم يحتفي الشاعر باستقبال الخمر وانتهاء شهر رمضان، وهو عكس المتعارف عليه لدى المجتمع المصري والإسلامي.

البعض هاجم أحمد شوقي غير منتظرًا لأي بيان أو توضيح، باعتبار صراحة ما كتب شوقي ومباشرة المعاني والجُمل التي امتدحت الخمر واشتاقت إليه بشكل فعلي.

وبعضهم ذهب إلى أن امير الشعراء أحمد شوقي، أراد من القصيدة عكس ما تظهره الكلمات والمعاني، وقصد توجيه النقد لمن يخرجون من الطاعة في رمضان لمباشرة المعاصي بعد انتهائه.

أكثر من انزعج من القصيدة ولم يفوت لـ شوقي تلك الهفوة، الشيخ الشعراوي، الذي كان دارساً في الأزهر.

عزم الشعراوي على مقابلة الشاعر أحمد شوقي وبالفعل تمكن من ملاقاته عبر صديق مشترك بينهما.

ويحكي الشعراوي قصة هذا اللقاء فيقول “ ذهبنا إليه وقدمنا إليه أحد الأصدقاء قائلا: هؤلاء شباب من أشد المعجبين بك، ويحفظون شعرك كله، ويأملون فقط في رؤيتك".

وأضاف: "عندما التقينا به سَألني شوقي: ما الذي تحفظه عني؟، فعددت له قصائد عديدة، فسألني: ومن الذي دفعك إلى هذا؟، قلت له إن والدي كان يمنحني مالًا عن كل قصيدةٍ أحفظها لك، فتبسم قائلا: مرحبا بك، وقلت له: إن لنا عتابًا عليك، فسألني: فيمَ العتاب؟!، فقلت له: ما هي حكاية (رمضان ولى هاتها يا ساقي)، فضَحكَ شوقي كثيرًا.. وقال: ألستُم حافظين للقرآنِ الكريم؟!، قلنا: بالطبع نحفظه، فقال شوقي: ألا تعرفون الآية التي تقول: (أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ) وكان ردًا أفحمَنا". 

وفي إحد المرات سأل شاب مسئول كبير في جلسة نقاشية ، هل أنت راضٍ عن كل ما تتخذه من قرارات ؟، فكان رده : نحن مجبرون أحياناً على اتخاذها ، وعندما عاوده الشاب بسؤال أخر ، ولماذا تتخذ قراراً لا ترضى عنه ؟، قال: هذه ضريبة المنصب ، نحن نسعى لتحقيق الرفعة للجميع ، البعض يطاله ظلم ، هكذا يرون ذلك ، انظر الى الدعوة الإسلامية في بدايتها ، فرقت الزوج عن زوجه وابعدت الإبن عن أبيه ، وانكوت النساء بفراق اولادهن ، لكن المحصلة جاءت بدين عظيم ، ساوى بعد ذلك بين الجميع .

#حكاوي_علام #عثمان_علام




تم نسخ الرابط