السبت 21 ديسمبر 2024 الموافق 20 جمادى الثانية 1446

واخد بالك يا حسين

1386
أسرة أحمد أمين
أسرة أحمد أمين

فى عام 1945 كانت أسرة الكاتب والمفكر الراحل أحمد أمين فى طريقها للمصيف فى رأس البر - تبعد عن القاهرة - 190 كم تقريباَ شمالاَ ) - حيث يتحرك القطار فى التاسعة صباحاً من محطة القاهرة.

تجلس الأسرة مع الأمتعة فى عربة ويجلس هو - أى أحمد أمين -  فى عربة أخرى حيث يكون فى يده - مثلا - رواية لتوفيق الحكيم أو ديوان شعر لحافظ إبراهيم أو أحمد شوقى أو غيرهم ويبدأ القراءة حتى يصل القطار إلى محطته الأخيرة.
                    
فى العربة الأخرى ، وكما يقول الكاتب (خيري حسن )يجلس الأبناء - كانوا ثمانية وأمهم - يضحكون، ويتسامرون، يتحدثون عن أيام وليالي المصيف. 
الآن يجلس الابن حسين - صار دبلوماسياَ فيما بعد - بجوار والدته. أمامهما تجلس سيدة متوسطة العمر وابنتها فتاة فى الخامسة عشرة من عمرها. شقراء الشعر.. زرقاء العينين.. وجهها بيضاوي..جسدها نحيل..وتسعل على فترات.
                    
قالت والدة الفتاة لزوجة أحمد أمين:"يبدو أن الحقيبتين اللتين وضعتموهما (فوق الرف) بهما أشياء ثمينة - كان بهما كتب جاء بها أحمد أمين للمصيف - لأنكم وضعتموهم بعد عناء، ومشقة، وحرص شديد حتى إنى تخيلت - من شدة اهتمام الابن بهما - تقصد حسين - انهما يحويان ذهبا"؟!
-- ردت الزوجة ساخرة:
"ذهب..؟! قال ذهب قال؟ وحياتك دي كتب"!
-- مش معقول( قالتها والدة الفتاة بدهشة)!
-- ردت الزوجة:"وحياتك زي ما بقولك كده"! ثم قالت:" الشنطتين دول عند صاحبهم - تقصد زوجها أحمد أمين - أغلى من الذهب، لكن عندي أنا لا تعادل الواحدة فيهم (الفطير المشلتت اللى جنبك دى)!
--قالت:" مش معقول الكلام ده"؟!
-- ردت:"برضه هتقول لى مش معقول"!ثم أكملت الزوجة:" عارفة لو تخديهم وتديني مكانهم (الفطير المشلتت)أكون شاكرة ليكي جداَ...والا أقولك خديهم من غير فطير ..وريحيني"!.
فى هذه اللحظة انتبهت الفتاة بعدما فرغت من نوبة سعالها الحادة وسألتها:
--"هو زوجك كاتب"؟
-- ردت بإستفهام:"هكذا يقول!( أحمد أمين فى ذلك الوقت لا يقل حضوراً وتألقاَ عن المازني والمنفلوطي والعقاد وطه حسين )!
-- ثم سألت الفتاة:"هل يكتب القصص"؟
-- ردت باستغراب:"والله يا بنتي ما قرأت له حرفاَ، فلا تسأليني عن ماذا يكتب"!
-- قالت الفتاة:" اسمه أيه"؟
-- ردت:" أحمد أمين"!
-- قالت الفتاة بدهشة: 
 "غريبة..مسمعتش عنه قبل كده"!!
-- صاحت الزوجة بسعادة قائلة:      
  "بذمتك سمعت عنه قبل كده"؟
--ردت بحرج:" الصراحة.. لا"!
-- قالت الزوجة وهى تنظر للابن حسين الجالس بجوارها:"مع أنه متخيل أن الناس تسبح باسمه ليل ونهار" ثم قالت بشماتة:
"واخد بالك يا حسين"!! يبتسم ولا يعلق.
ثم قالت بتحدٍ:"والله لما نروح هقوله الكلام ده"!
-- رد حسين:" هتقولى أيه يا ماما"؟
-- "هقوله قابلت بنت فى القطار لم تسمع عنه أبداَ"! 
-- ابتسمت الفتاة وقالت:
"ألا يسرّك أن تكونى زوجة لأديب مشهور؟
--ردت:" سرور أيه؟ ده طول الوقت مشغول عن أولاده وبيته، بكتبه وقلمه. ثم قالت:
" أتظنينه يوماَ لاحظ لى فستاناً جديداً اشتريته أو (حلق لبسته)؟ أبداَ ولا هذه الأشياء تشغل باله خالص!
                 
وبعد فترة صمت اكملت الزوجة:"كنت عندما آتيه بفستان جديد أجده إما قارئاَ أو كاتبا..فأقول له: 
أحمد.. شوف كده وقولى رأيك؟
-- يرد:"رأي فى أيه"؟
-- فى الفستان يا راجل!
-- ماله؟ ما هو حلو أهو !
يقولها دون أن يدري أنه فستان جديد"!
تضحك الفتاة حتى يعاودها السعال بصورة عنيفة مرة أخرى ويكون القطار قد وصل إلى محطة الوصول وقبل أن تودع أسرة أحمد أمين أسرة الفتاة التى مازالت تسعل تقف أمها على الرصيف فى وداعها قائلة للزوجة:
" تحبي نبدل (الكتب) بالفطير (المشلتت)؟
-- ترد ضاحكة بطريقة ساخرة:
"ياريت ياختي...هو حد يطول المشلتت"؟!
                  
....وهكذا دائماَ فى كل عصر - وفى كل حين - تجد زوجات الصحفيين، والكتاب، والأدباء، والمبدعين - أو معظمهن - إذا ما سألتها:
" هل تحبين تبديل كتب زوجك (بالفطير المشلتت)؟ 
ترد بكل ثقة، ورغبة، وفرح، وسرور..قائلة:
"ياريت...هو حد يطول"!!

• المصدر:كتاب:( فى بيت أحمد أمين)
بقلم : حسين أحمد أمين - الطبعة الأولى- دار الهلال - يوليه - 1985




تم نسخ الرابط