الإثنين 31 مارس 2025 الموافق 02 شوال 1446

كل المناسبات تأتي بدون أمي

922
المستقبل اليوم

قبل أيام من عيد الأم ، كنت أطلب من أمي أن تختار هديتها ، فلست بارعاً فى الاختيار ، وربما جئت بشيء لا يروق لها ، وكانت تختار ، كانت هديتها الأخيرة قبل 4 سنوات خاتم من الذهب ، ولا أعرف من ورثه من شقيقاتي ، قد يكون من نصيب "أريچ" بنت شقيقي محمد .

منذ أربعة أعوام تقريباً ، وعيد الأم يسبق رمضان بأيام قليلة ، هذا العام يأتي عيد الأم فى العشر الأواخر من رمضان ، كانت أمي تأتي لنا في هذا التوقيت من كل عام ، تحل البركة بوجودها ، وننعم بها وبدعائها ، ثم تسافر ومعها هدية عيد الأم ، بعد أن تترك لنا البركة والدعاء .

قبل ثلاثة أعوام ونصف من الآن ، حضرت البركة الى بيتي ، إنها أمي ، لم تصم عندي لكنها فضلت الصيام داخل جدران منزلها ، سألتها: خليكي معانا مستعجلة ليه إنتي قاعدة لوحدك فى البلد ؟..قالت: مينفعش أسيب البيت مقفول ، أخواتك هناك ومينفعش البيت يتقفل بعد أبوك ما مات، هكذا كانت تردد .

دائماً زوجتي (اطال الله في عمرها ورزقها الصحة والستر) كانت تشتري الأشياء التي تحبها أمي من مستلزمات رمضان ، كعادتها كل عام ، أوصلتها بنفسي للسيارة التي تحملها للبلد ، على موعد بأن أُعيد معها عيد الفطر ، وأخلفت موعدي ولم أسافر فى العيد ، ولا أدري ما الذي منعني ولا الذي شغلني عن أمي ، ولو عادت الأيام لما بارحت تحت أقدامها شبراً ، وهل ينفع الندم مع بشر مثلنا لا يتعظون ممن سبقهم !.

كانت تمرض ، فأقول لها : لديك رخصة بالإفطار ، لكنها كانت تصر على الصوم ، هي عادة وعبادة أكتسبتها منذ عشرات السنين "يا ولدي دول يومين بييجوا كل سنة مينفعش أفطر"، هكذا كان ردها .

عاشت أمي بعد هذا التاريخ الذي أحكيه ستة أشهر ، سافرت إليها مرتين مرة للزيارة ومرة للوداع ، والأخيرة كان المرض قد تمكن منها ، واتصلت بي تريد رؤيتي رؤية الوداع ، وكان وداعاً حقيقياً ، وداع ليس بعده رجعة ، وداع المفارق لمن يحب ، وداع الحبيب لحبيبه ، وداع للقلب والروح والجسد ، وداع لأخر من تبقى من الأصل .

ومضى  مضان ثم رمضان ثم رمضان ، ومضى عيد الأم الاول والثاني والثالث بدون أمي ، وها هو هذا العام يأتي بدونها ، وها هو رمضان قد اقبل بدون أمي ، وتمر الأيام بدون أمي ، وهكذا أضحيت يتيماً لا عائل له ، لا مبتهل بالدعاء من أجله ، لا مُعين له على تعب الحياة ، لا أحد يهفو قلبه لسماع صوته ، لا أحد يسأل عنه دون مصلحة ، رحلت كل هذه الأشياء وأعيش وحيداً رغم كثرة من حولي .

لم يكن هذا شعور المفارق الحديث ، ولا إحساس المفارق القريب ، لكنه شعور يتملق أولئك الذين رحلت أمهاتهم منذ عشرات السنين ، نفس معاناة الفراق التي يعانيها إبن الأربعون ، يعيشها ويتجرعها إبن الستون أو السبعين ، الكل في فراق الأم واحد ، جميعنا أمام صورتهم وذكرياتهم ورائحتهم وأشيائهم المحفوظة سواء ، لا فرق بين صاحب الشعر الأبيض وصاحب الشعر الأسود ، لا فرق بين الشاب والكهل ، لا فرق بين الرجل والمرأة ، فراق الأم يجلب الهم ويطفئ النور من الوجه ، إنه كالعشق البعيد المنال .

لكن كلما كبر الإنسان يوماً ، يكون أقرب لمن رحلوا أكثر من قربه ممن بقوا ، النفس تهفو دائماً لمن كان يحبها ويدللها ويعشقها ، وليس هناك أخلص ولا أجمل ولا ألذ من حب الأم وعشقها ودلالها .

 

اللهم بحق هذا الشهر الكريم ، شهر الخير والرحمات ، الشهر الذي تنزل فيه القرأن ، الشهر الذي تغلق فيه أبواب الشياطين وتُفتح فيه أبواب السماوات ، أن تغفر لأمي وأن ترحمها وأن تتجاوز عن سيئاتها ، فأنت الكريم ولا كريم سواك ، وأنت الغفور ولا رحيم سواك ، وأنت الرب الكبير القوي ونحن عبادك الضعفاء .

#حكاوي_علام #عثمان_علام




تم نسخ الرابط