د سيد سالم يكتب: صاحب الأرض وصاحب حق الامتياز

انتهت مؤخرًا حرب قصيرة لكنها بالغة الدلالة، حيث أشعلت شرارتها إسرائيل باعتداء مباشر على إيران. هذا وقد جاء الرد الإيراني سريعًا وحاسمًا، دفاعًا عن الأرض والسيادة، واستمر القتال اثني عشر يومًا، حتى تدخلت الولايات المتحدة بطلب – أو بالأحرى، بأمر – لوقف القتال، بعد أن كانت قد دخلت الحرب فى أيامها الأخيرة إلى جانب إسرائيل وشاركت بقصف مكثف استهدف ثلاثة من المفاعلات النووية الإيرانية.
لكن ما يستحق التأمل هنا، ليس فقط مجريات القتال أو حسابات الخسائر، بل الدروس السياسية والعسكرية التي كشفتها هذه الحرب القصيرة، وهي دروس لا تقل أهمية عن صواريخ القتال ولا آثارها في العمق الإسرائيلي:
أولاً: أثبتت إيران أنها رغم العقوبات الطويلة وعزلتها الدولية وحرمانها من قطع الغيار اللازمة لسلاحها الجوي والبري، قادرة على الدفاع عن نفسها بإرادة صلبة وقدرات ذاتية.
ثانيًا: رغم استهداف إسرائيل المتكرر لقادة الجيوش الإيرانية، فإن من تولوا المسؤولية بعدهم أداروا المعركة بذكاء بالغ، وأفلحوا في إنهاك منظومة “القبة الحديدية” الإسرائيلية، فتمكنت صواريخهم من إصابة أهدافها بدقة، ورفعت من تكلفة الحرب على إسرائيل سياسيًا وماديًا ومعنويًا.
ثالثًا: استهدفت الضربات الإيرانية قلب تل أبيب وحيفا ومدنًا أخرى، لترسل رسالة واضحة: أن إيران تمتلك قوة ردع حقيقية، وأن قرار الاعتداء عليها مستقبلاً لن يكون بالسهولة التي اعتادها القادة في إسرائيل.
رابعًا: أظهرت المعركة اعتماد إسرائيل المفرط على جهاز الموساد، الذي كان له اختراق واسع داخل إيران، وهو ما يبدو أن طهران تنبهت إليه مؤخرًا، وقد تتغير قواعد اللعبة الاستخباراتية في المرحلة القادمة.
خامسًا: رغم الغارات الأمريكية على المفاعلات النووية الإيرانية، فإن أحدًا لا يعرف حتى الآن حجم الضرر الحقيقي الذي لحق بهذه المنشآت، ما يفتح بابًا لتقديرات متضاربة، قد تحمل مفاجآت لاحقاً.
سادسًا: بحنكة لافتة، تمكنت إيران من حماية احتياطياتها من اليورانيوم المخصب، وهو مكسب استراتيجي لا يقل أهمية عن المكاسب الميدانية.
سابعًا وأخيرًا: لعلّ أهم ما تكشّف في هذه الحرب هو الفرق بين الجبهتين الداخليتين: ففي إسرائيل، انهارت الروح المعنوية، وخرجت تظاهرات تطالب بوقف الحرب، وبدأ آلاف المواطنين في الهروب إلى الخارج عبر مصر وقبرص. أما في إيران، فقد التفت الجماهير حول قيادتها رغم القصف والتهديد، ووقفت تدافع عن أرضها بلا تردد.
(وهنا تبرز الحقيقة الكبرى): الإيراني، صاحب الأرض، لا يفرّ منها. بينما الإسرائيلي، الذي نال “حق الامتياز” على أرض فلسطين بوعد بلفور، لا يرى فيها أكثر من ملاذ مؤقت يمكن مغادرته ساعة الخطر. فهذا هو الفارق بين من يملك الأرض بالحق، ومن جاء إليها بحق امتياز بقرار خارجي.
(ختامًا)، ما جرى لم يكن مجرد حرب قصيرة، بل مرآة كشفت هشاشة المشروع الصهيوني حين يُختبر، وأكدت أن الشعوب التي تتجذر في أرضها لا تهزم بسهولة.
كاتب المقال: المهندس سيد سالم ابو غزاله-رئيس شركة خالدة الاسبق