شخصيات: هشام رياض..الرجل الذي أخرج إيثيدكو من عنق الزجاجة

كما أسلفنا ، ففي تاريخ كل صناعة، تبرز أسماء قليلة قادرة على ترك بصمة تتجاوز حدود الوظيفة إلى فضاء الريادة والتأثير، وفي قطاع البتروكيماويات، الذي يُعد واحدًا من أعقد الصناعات وأكثرها تشابكًا مع الاقتصاد الوطني، برزت أسماء كثيرة، ذكرنا منها المهندس إبراهيم مكي والمهندس محمد إبراهيم والمهندس أحمد موقع ، وغيرهم، وفي هذه الحلقة يبرز اسم الكيميائي هشام رياض، رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة إيثيدكو، كأحد هؤلاء القادة الذين لهم أثرًا عميقًا، لا بالأرقام وحدها بل بقدرتهم على صناعة الفارق وسط التحديات.
ولد رياض ليكون جزءًا من هذا القطاع، ومنذ تخرجه في كلية العلوم بجامعة الإسكندرية عام 1988، انخرط في العمل الصناعي بشركة البتروكيماويات المصرية، حيث تعلّم أن النجاح لا يُقاس فقط بقدرة المعدات على الإنتاج، بل بقدرة الإنسان على التطوير والابتكار.
انتقل بعدها هشام رياض إلى شركة سيدي كرير للبتروكيماويات، حيث اكتسب خبرة عملية في تشغيل الوحدات الإنتاجية، قبل أن يأخذ منعطفًا فارقًا في مسيرته عندما التحق بشركة بروج في أبوظبي – إحدى كبرى شركات البتروكيماويات العالمية التابعة لـ “أدنوك” – حيث قضى أكثر من 11 عامًا، صقل خلالها خبرات في إدارة المشروعات العملاقة، والتعامل مع معايير الجودة العالمية، والقدرة على المواءمة بين تحديات الإنتاج وضغوط الأسواق.
وعندما عاد إلى مصر عام 2012، لم يأتِ باحثًا عن منصب، بل عائدًا إلى حلم وطني، وجد نفسه في قلب مشروع إيثيدكو منذ لحظة التأسيس، مشاركًا في التصميمات الهندسية، ومتابعًا لمراحل البناء والتشغيل والإنتاج، ليصبح جزءًا من نسيج الشركة .
لم تكن الطريق ممهدة. واجهت إيثيدكو تحديات جسيمة منذ انطلاقتها: قروض ضخمة، التزامات مالية، تقلبات أسعار المواد الخام في الأسواق العالمية، وضغوط داخلية وخارجية، لكن هشام رياض اختار أن يتعامل مع الأزمة بمنطق “الفرصة”.
أطلق برامج تدريب وتأهيل مكثفة لبناء جيل من الكفاءات القادرة على إدارة الوحدات الإنتاجية بكفاءة عالية، وخفّض التكاليف دون المساس بجودة المنتجات أو بسلامة التشغيل، وأعاد الثقة إلى فرق العمل، لم يكن شعاره “تقليل الخسائر”، بل “تحويل الأزمة إلى إنجاز”، وهو ما تحقق بالفعل في فترة قيادته.
انعكست هذه الرؤية على أداء الشركة بصورة واضحة، ففي عام 2024، حققت إيثيدكو خطتها الإنتاجية بنسبة 100%، بإجمالي 314 ألف طن إيثيلين و320 ألف طن بولي إيثيلين، لتسجل مبيعات محلية بلغت نحو 7.9 مليار جنيه، وصادرات بلغت 211 مليون دولار إلى أكثر من 35 دولة حول العالم، شملت أوروبا وتركيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا، كما ارتفعت مبيعات السوق المحلي بنسبة 8%، وتم تعظيم الاستفادة من المنتجات الثانوية وتسويقها محليًا وخارجيًا، ما عزز من قدرة الشركة على تحقيق عائد اقتصادي متنوع ومستدام.
هذه النجاحات لم تمر مرور الكرام. ففي الجمعية العامة للشركة لاعتماد نتائج الأعمال، أشاد وزير البترول والثروة المعدنية المهندس كريم بدوي بأداء إيثيدكو، مؤكدًا أن قطاع البتروكيماويات يمثل ركيزة أساسية للاقتصاد الوطني، وأن نجاح إيثيدكو نموذج يُحتذى به في مواجهة الأزمات وتحويلها إلى قصص نجاح، ولم يكن غريبًا أن تصبح إيثيدكو في عهد هشام رياض أول شركة مصرية تصل إلى المستوى السابع في نظم سلامة العمليات، وفق تقييم أجرته شركة DNV العالمية، وهو إنجاز يضع الشركة في مصاف الشركات العالمية الرائدة في مجال السلامة والتشغيل.
لم يكتفِ هشام رياض بتحقيق أرقام إنتاجية قوية، بل دفع الشركة إلى الابتكار، فطوّرت إيثيدكو منتجًا جديدًا من البولي إيثيلين يُستخدم في تغليف المواسير الصلبة وحمايتها من التآكل، وحصلت على اعتماد مؤسسة SKZ الألمانية لاستخدام منتجاتها في شبكات المياه والغاز والصرف.كما أصبحت أول شركة مصرية تحصل على شهادة الإفصاح البيئي واعتماد دولي للبصمة الكربونية لمنتج البولي إيثيلين متوسط الكثافة، ما يمنح منتجاتها ميزة تنافسية في الأسواق العالمية، وفي إطار التوجه نحو الطاقة النظيفة، بدأت الشركة في تنفيذ مشروع محطة طاقة شمسية بقدرة 500 ك.وات لتوفير الطاقة النظيفة وخفض الانبعاثات.
ورغم كل هذه الإنجازات، ظل هشام رياض وفيًا لفلسفته الأولى: أن الإنسان هو القيمة الأسمى. لذلك، حرص على تعزيز بيئة العمل داخل الشركة، وتوفير كل ما يرفع من كفاءة العاملين ويحافظ على سلامتهم، أدرك أن النجاحات لا تُصنع بقرارات إدارية فقط، بل بفرق عمل مؤمنة بما تفعله، وهو ما تحقق فعليًا في إيثيدكو.
وتجاوزت رؤية هشام رياض حدود المصنع إلى المجتمع. فقد أولت إيثيدكو اهتمامًا خاصًا بالمشاركة المجتمعية، إدراكًا منها لدورها كإحدى الكيانات الاقتصادية الكبرى في الإسكندرية. ساهمت الشركة في دعم المبادرات التعليمية، ورعاية الطلاب المتفوقين، والمشاركة في الأنشطة الخدمية والتنموية التي تمس حياة المواطنين مباشرة.
كما لعبت دورًا في دعم البنية المجتمعية والرياضية والثقافية في محيطها الجغرافي، لتؤكد أن الصناعة لا تنفصل عن المجتمع، وأن الشركة ليست مجرد مؤسسة اقتصادية، بل شريك أساسي في تنمية المجتمع السكندري.
اليوم، يُنظر إلى هشام رياض باعتباره واحدًا من أبرز قيادات قطاع البتروكيماويات في مصر، ليس فقط لأنه عبر بالشركة من أزمات مالية وتشغيلية إلى بر الأمان، بل لأنه رسّخ نموذجًا جديدًا في القيادة يعتمد على الإنسان قبل المعدات ، والابتكار قبل الروتين، والاستدامة قبل المكاسب السريعة.
إنه نموذج يثبت أن القيادة ليست منصبًا، بل رسالة. ورسالة هشام رياض كانت وما زالت: أن الحلم المصري في صناعة بتروكيماويات قوية وعالمية ممكن التحقيق، إذا وُجدت الإرادة والرؤية والإدارة الحكيمة.
#المستقبل_البترولي