سماح فتحي تكتب .. الوَنَس والوَحْدة

كلمة 'وَنَس' نفسها قادمة من الأُنس ومشتقة من الإنسانية بما تشمله من طمأنينه وراحة بال وبهجة دون ضجيج وصخب، وكلمة 'الوَنَس' أيضاً تعني الألفة والمودة. وترتبط في كثير من الأحيان بكبار السن وبخاصة في الأرياف والقري حيث المبادئ والفطرة الإنسانية السليمة ويتجلى الوَنَس بين الأهل والأصدقاء والجيران أو ربما الأزواج وبخاصةً كبار السن أو بشكل أعم بين من تحابوا وبينهم مودة وعشرة وذكريات جميلة.
تتعاقب الأجيال وتمر السنون والكل مهما عظمت وتكاثرت مشاغله يبحث دوماً عن الوَنَس وبرغم ذلك يختلف الكثيرون في مفهوم الوَنَس! وقبل ان اتطرق الي الحديث بإستفاضة عن مفهوم 'الوَنَس والوَنيس' الذي يبدو واضحاً ولكنه يحمل في طياته كل المعاني الإنسانيه العميقة والتي لا يمكن إدراكها والشعور بها ببساطة ويسر - هل سأل أحدٌ منا نفسه 'في منْ وجد الوَنَس والألفة؟ أو منْ الذي يشعر معه بالطمأنينة والدفء ويجد فيه 'أنيساً لروحه' مع تمام اليقين أن هذه المشاعر اصبحت نادرة الوجود في عصر أبرز سماته السرعة والسطحية، عصر غلبت عليه التكنولوجيا والمصالح وتراجعت فيه المشاعر النقية بصفة عامة إلا من رحم ربي، إنما الوَنَس هو هبة ربانية من الله لايمكن السعي لإيجاده، ومن دواعي العجب أن معظم بني البشر يجدون أنفسهم يألفون هذا عن ذاك ويرتاحون لشخص دون غيره … وهكذا وهو أمر غاية في التعقيد لأنه في النهاية تحكمه القلوب يا سادة التي تميل وتعزف وتحب وتكره وما إلي ذلك من المنح الإلهية التي لا سيطرة للإنسان عليها.
والونيس اعزائي هو شبيه الروح الذي يشغلنا دائماً البحث عنه الذي يدخل القلب دون إستئذان ويطبطب عليه بكل حنو وعطف ويلمس احاسيسه وكأنها شيئ ملموس وهو أيضاً الذي لا يمل أبداً وتراه معاك في الضيق قبل السعة والفرح ويهون متاعب الحياة ولا تهون عشرتك عليه وتشتاق له الروح وتنفطر حزناً لبعده.
يظن الكثير من الأشخاص أنهم ليسوا محظوظون لأن ليس لديهم وَنَس ويشعرون بالوحدة، وفي واقع الأمر أنا لا أتبني هذا الفكر الضحل ولا أؤيده، صحيح لا يمكن أن ننكر أن الوحدة شيئ في منتهي القسوة وهي شبحّ مرعب نفر منه جميعاً ونهابه دوماً ولكنها اعزائي ليست ابتلاء وليست عقابٌ من الله إنما هي قدر وكل شيئ من عند الله نعمة ومنحة، والأهم من كل هذا انتقاء 'الأخلاء' وهو الشيئ الذي اوصت به كل الأديان والاعراف، ان النبي صلي الله عليه وسلم قال: المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل. ولنتدبر ما يمكن أن يجلب أصدقاء السوء لمن يصحبهم، فإنهم يتبرؤون يوم القيامة ممن يصادقهم ويعادونه، قال تعالى:الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (الزخرف:67)
وقد نجد أحياناً أن البعض يفضل الوحدة والعزلة بكل مآسيها ومتاعبها علي الاختلاط وهذا أيضاً فكر سلبي آخر يجب مناهضته والتصدي له لما للوحدة من آثار سلبية علي الصحة ومما تحدثه من ألم نفسي تعرضت له واثبتته العديد من الدراسات. انتقي الرفيق حسن السيرة، حلو العشرة طيب القلب الدنيا ما زالت بخير.