الإثنين 28 أبريل 2025 الموافق 30 شوال 1446

د عزة سامي تكتب: الإدارة والاستيعاب: قراءة مشهد من فيلم الممر

163
د عزه سامي
د عزه سامي

شاهدت فيلم الممر الذي يذاع في ذكري تحرير سيناء في هذا الوقت من العام، والذي يحكي عن إحدي بطولات قوات الصاعقة المصرية من حرب 1967 وحتى الأوقات الأولى من حرب الاستنزاف. المشهد لضابط مصري، ذهب لإجراء مكالمة هاتفية من أحد السنترالات وعندما أدرك الموظف أنه ضابط، عامله بفتور، قائلاً بسخرية: "الخطوط انسحبت كما انسحبتم"، ظنًا منه أن الجنود غادروا دون قتال، تاركين الشعب في مهانه، يجسّد الموظف نموذجًا من الشعب المصري الذي كان يعاني آنذاك من فقدان الثقة بجيشه، ووجه لأفراده الكثير من اللوم والعتاب دون وعي لما حدث معهم وما تعرضوا له.

انفعل الضابط غاضبًا، وضرب الموظف، في لحظة هيستيرية تعكس ما يمر به من آلام داخلية. تم استدعاء ضابط آخر للتحقيق في الواقعة، لكنه تعامل بحكمة وضبط للنفس مدروس. بدلاً من إصدار حكم سريع، ترك المجال للضابط المنفعل ليعبر عن صدمته: "لقد رأينا كابوسًا ونحن مستيقظون. كنا نتدرب في الكتيبة وفجأة هاجمنا الطيران الإسرائيلي، فدُمرت مواقع التدريب والذخيرة، وقُتل الزملاء والجنود وأُسر الكثيرون، كانت لحظة غدر، ومزيجًا مؤلمًا من الخذلان والرعب." كل طرف (الضابط والموظف) ألقي اللوم على الآخر ولم يدري الجانب الآخر من الحقيقة.

أولًا: الشكر لكل من ضحى في سبيل الوطن، ولكل مسؤول اتخذ قرارًا ساهم في تحرير أرضنا لننعم بالحريّة الغالية.
ثانيًا: الشكر لصناع السينما الذين حاولوا توثيق هذه اللحظات التاريخية، حتى لا تغيب عن الأجيال الجديدة.

أما ثالثًا: فقد استوقفني هذا المشهد وألهمني لكتابة هذه المقالة، حيث وجدت فيه إسقاطًا مباشرًا لبعض المواقف التي مررنا بها خلال مسيرتنا المهنية. فكما رأينا في المشهد السينمائي، هناك لحظات في بيئة العمل تتكرر، حيث تُقابل قرارات الإدارة العليا أحيانًا بالاستياء أو عدم الفهم، خصوصًا من الموظفين قليلي الخبرة أو من مروّجي السخط والبلبلة. وكم شهدنا مثل هذه المواقف عند اتخاذ قرارات تتعلق بصرف زيادات، إقامة التجمعات السنوية، الترقيات، والاستحقاقات وغيرها...

الإدارة العليا: استراتيجيات ورؤية
الإدارة العليا هي الجهة المسؤولة عن صياغة الرؤية الاستراتيجية واتخاذ القرارات التي تحدد مسار المؤسسة. فإن نجاح أي مؤسسة لا يتحقق أيضا إلا من خلال جهود موظفيها، الذين يمثلون الركيزة الأساسية في تنفيذ هذه الرؤية. حقوقهم المشروعة في بيئة عمل عادلة وتحفيزية ليست مجرد امتياز، بل هي عنصر جوهري في بناء مؤسسة قوية وناجحة.
و لكن هل يجب أن تبرّر كل قراراتها لكل الموظفين؟

في علم الإدارة الحديثة، يعتمد نجاح المؤسسات على التوازن بين الشفافية والإفصاح الاستراتيجي، حيث تتخذ الإدارة العليا قرارات وفق رؤية تنظيمية مدروسة، دون الحاجة لتبرير كل خطوة أمام جميع الموظفين. بناء بيئة عمل صحية لا يتم فقط عبر التواصل الفعّال، بل أيضًا عبر ترسيخ ثقافة مؤسسية قائمة على الثقة المتبادلة، مما يضمن توافق الأهداف بين المستويات الإدارية المختلفة دون إثارة الاستياء وخلق بيئة عمل مشوشة وخاصاً من "قاعدة ووسط هرم مستويات الإدارة". ( المساحة واسعة للنقاش ولن تكفينا الكتب والمراجع).

ختاماً، إن إسقاط المشهد في بيئة العمل أو في الأسرة بين رب الأسرة والأبناء وغيرها من المواقف الحياتية، يُظهر حقيقة جوهرية: نحن غالبًا لا نرى الصورة كاملة أو بوضوح مما يؤثر على أحكامنا وردود أفعالنا. (وسيبقي الإدراك الكامل للصورة نسبيًا).

إن قدر الله لنا في العمر بقية، فربما لنا في الحياة لقاء .....




تم نسخ الرابط