الخميس 04 سبتمبر 2025 الموافق 12 ربيع الأول 1447

مروه عطيه تكتب... عن حلاوة زمان

200
المستقبل اليوم

اذا دخلت القاهرة القديمة فى أيام المولد النبوى ستشعر أنك أمام مشهد لا يشبه أى مناسبة ولا مكان آخر.
صحيح أن الإسلام قد دخل مصر فى القرن السابع الميلادي لكن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بدأ بعد ذلك بقرون... ويُجمع المؤرخون أن الدولة الفاطمية هى التى رسخت عادة الاحتفال بالمولد النبوى بشكل منظم وعلنى فقد كان الفاطميون شغوفين بإقامة المواسم الدينية والشعبية لإضفاء الطابع الروحى والاجتماعى على حياة الناس واليهم يرجع فى الغالب تقليد عروسة المولد التى يُرجح أنها تنسب لزوجة أحد الخلفاء الفاطميين... وكان الاحتفال فى بدايته طقسا دينيا يقام فى الجامع الأزهر حيث يجتمع العلماء والفقهاء لتلاوة السيرة النبوية وقصائد فى مدح الرسول صلى الله عليه وسلم ثم يمتد إلى الشوارع والأسواق لتتحول المناسبة إلى عيد شعبى يجتمع فيه الناس من مختلف الطبقات.
عقب زوال الدولة الفاطمية حاول صلاح الدين الايوبي تقليص بعض المظاهر المرتبطة بالمذهب الشيعى لكنه لم يستطع منع احتفال منع احتفال المصريين بالمولد إذ صار عادة راسخة فى وجدانهم.
وفى العصر المملوكي بلغ المولد ذروته واضاف المماليك طابعا احتفاليا أوسع حيث كان السلاطين يوزعون آلاف الاطباق من الطعام ويقيمون الولائم فى الميادين، وتشارك الطرق الصوفية فى حلقات الذكر والانشاد،  وأصبح الاحتفال مناسبة دينية اجتماعية واسعة النطاق يجتمع عليها الفقراء و الأغنياء.
ومع دخول العثمانيون مصر فى القرن السادس عشر ازدادت قوة الطرق الصوفية التى جعلت من المولد مناسبة سنوية مركزية وكانت شوارع القاهرة لاسيما حول الأزهر والحسين والسيدة زينب تمتلئ بالأنوار والمواكب الصوفية وكانت الزفة الكبرى تقام حيث يجتمع الدراويش بالطبول والظروف مرددين الاناشيد فى مدح الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، هذه الروح الصوفية لا تزال حاضرة حتى اليوم حيث تتوافد الطرق الصوفية من كل المحافظات إلى القاهرة لإحياء الليالى فتتحول الشوارع إلى ساحة من الفرح الروحى.
ومع دخول القرن التاسع عشر وتحديدا فى عهد محمد على باشا وأسرته ظل الاحتفال قائما لكنه أخذ طابع أكثر تنظيما فقد اهتمت الدولة بإنارة الشوارع وإقامة سرادقات رسمية، واستمرت الأسر المصرية فى شراء حلاوة المولد.
وفى القرن العشرين ورغم تغير الأوضاع الاجتماعية والسياسية لم يتخلف المصريون عن المولد بل صار مشهد شراء العروسة والحصان مشهدا ثابتا فى كل مكان
واليوم لا تزال احتفالات المولد النبوى فى مصر مشهدا فريدا يمزج بين القداسة والفرح الشعبى... لا يكاد يخلو شارع من محال الحلوى التى تعرض أصناف تقليدية وحديقة مبتكرة، ولا تزال الطرق الصوفية تنظم مواهبها وحلقات ذكرها... وفى البيوت يجتمع الأهل حول حلاوة المولد كجزء من طقس موروث يربطهم بتاريخ طويل.
إن احتفال المولد النبوى الشريف يختصر شخصية مصر بلد يعرف أهله كيف يمزحون بين الدينى والشعبى بين الذكرى والفرح... المولد ليس مجرد مناسبة دينية بل هو مرآة لروح المصريين التى تحتوى بالدين والحب والبركة والبهجة.




تم نسخ الرابط