الإثنين 08 سبتمبر 2025 الموافق 16 ربيع الأول 1447

د جمال القليوبي يكتب: وهم الغاز الإسرائيلي وورقة الضغط الاقتصادي

115
المستقبل اليوم

أثارت التصريحات الأخيرة لرئيس دولة الكيان المحتل في تل أبيب بأن تصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر يعد ورقة ضغط اقتصادية تستطيع إسرائيل استخدامها وقتما تشاء على مصر، الكثير من الجدل. وتوقفت أنا وكثير من المحللين في تقييم هذا التصريح جملةً وتفصيلاً، وكذلك التوقيت الذي يقصده نتنياهو بعد توقيع اتفاق باستمرار استيراد الغاز الإسرائيلي ورفع مستوى كميات التصدير إلى مصر من ٤٫٥ مليار متر مكعب سنويًا حاليًا إلى ١٢ مليار متر مكعب سنويًا بداية من ٢٠٢٩ ولمدة ١٥ سنة بإجمالي ١٣٠ مليار متر مكعب.وقد أُبرم هذا الاتفاق مؤخرًا بتقدير مالي للصفقة يصل إلى ٣٥ مليار دولار.

ولكي أقيم تصريح نتنياهو السياسي في هذا التوقيت، أطرح أولاً ما آلت إليه الآراء داخل مصر، وفي الداخل الإسرائيلي والعالمي:

في مصر، تصوَّر الكثير من المواطنين أن تجديد التعاقدات لاستيراد الغاز الإسرائيلي مُحبط للآمال، وأن استمرار الاحتياج إلى الكيان الصهيوني في شراء هذا الغاز يعد وصمة عار وذلًّا وعدم ثقة مع هذا الكيان الكاره للمصريين.
الرأي الثاني يرى أن استيراد الغاز الإسرائيلي صفقة اقتصادية مجزية، إذ يوفر الغاز الذي يتم استلامه مباشرة من الخط، بديلاً عن الغاز الذي نستوردُه مسالاً ثم نُعيد تغويزه وضخه، وذلك بقيمة تصل إلى ٥٠٪؜ أقل من السعر.
أما الرأي الثالث، الاستراتيجي، فيعتبر أن استيراد الغاز الإسرائيلي يُعد استهلاكًا يقلل من قدرات المخزون الاستراتيجي لدى إسرائيل، وخاصةً حقولها العملاقة التي تعمل حاليًا.

أما في الداخل الإسرائيلي، فقد تباينت الآراء حول صفقة الغاز. بعض الأصوات تبنّت نفس منظور نتنياهو، حيث أشار موقع جلوبز الإسرائيلي إلى أن تصدير الغاز إلى مصر في هذا التوقيت يُظهر أن أكبر دولة عربية في الشرق الأوسط أصبحت في احتياج للغاز، وأنها غير قادرة داخليًا على إدارة مواردها. (ونسوا في إسرائيل أن مصر كانت أولى دول الشرق الأوسط التي صدرت الغاز إلى إسرائيل بطلب أمريكي مقابل تسهيلات اقتصادية).

لكن هناك رأي آخر نشرته صحيفة تايمز أوف إسرائيل يحذر حكومة نتنياهو من توقعات نقص مستقبلي في أمن الطاقة داخل إسرائيل بسبب التصدير لمصر والأردن، مما قد يؤدي خلال فترات قريبة إلى عدم القدرة على الوفاء بالالتزامات الداخلية واللجوء إلى الاستيراد.
كما ظهر رأي ثالث يرى أن تصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر والأردن يوضح أهمية هذا المورد كأحد مصادر الإيرادات الجديدة للاقتصاد الإسرائيلي المترهل بسبب الحرب، إذ يمثل موردًا ثابتًا بنسبة ١٣٫٥٪؜.

وعلى المنظور الأكثر تفصيلاً، لفهم الظروف التي جعلت قدرات إسرائيل من الغاز الطبيعي ستتضاعف خلال ٣ سنوات قادمة، تشير آخر إحصائية من إنرجي داتا إلى أن الإنتاج الإسرائيلي من الغاز الطبيعي وصل إلى حوالي ٢٧٫٣ مليار متر مكعب في نهاية ٢٠٢٤. ويتم تجميع الإنتاج من الحقول الثلاثة الرئيسية:
• حقل ليفياثان: قدراته الإنتاجية من خلال ٤ آبار حوالي ١١٫٣ مليار متر مكعب سنويًا.
• حقل تمار: قدراته الإنتاجية من خلال ٦ آبار حوالي ١٠ مليارات متر مكعب سنويًا.
• حقل كاريش: من خلال ٤ آبار بقدرة إنتاجية حوالي ٦ مليارات متر مكعب سنويًا.

وتقوم إسرائيل بتصدير ٤٨٪؜ من إنتاجها إلى كلٍّ من مصر والأردن، وتستهلك محليًا ٥٢٪؜.

وتهدف حكومة الكيان إلى بناء وحدة عائمة للإسالة، إضافة إلى عمليات تنمية وتطوير في حقل ليفياثان على مرحلتين: الأولى في ٢٠٢٦ والثانية في ٢٠٢٨، بالشراكة مع شركات أجنبية هي: شيفرون ونيو ميد وإنر-يز.

وتشمل الخطة حفر آبار تنموية ومد خط ربط ثالث من الآبار بمنصة الإنتاج، بميزانية تُقدّر بحوالي ٢٫٤ مليار دولار. وتستهدف رفع إنتاج حقل ليفياثان من ١١ مليار متر مكعب إلى ٢١ مليار متر مكعب جاهزة للضخ بحلول ٢٠٢٩.

ولذلك أراد نتنياهو أن يُدلي بتصريحاته عن استخدام ورقة الغاز الاقتصادية، كي يرسل نوعًا من الزعزعة الداخلية للمجتمع المصري، ويُظهر ضعف مصر وعدم قدرتها على تدبير احتياجاتها من الغاز، وليُذكّر المصريين بما صرّح به في عام ٢٠١٣ أن مصر ستستورد الغاز الإسرائيلي وتعتمد عليه.

هكذا يرى الصهاينة أنفسهم أنهم دائمًا المحرك للدول والحكومات والشركات والاستثمارات، بل ويصل بهم الغرور إلى أن يستخدموا واشنطن وأذرعها الاقتصادية وقتما يشاؤون. لكنهم نسوا العقل المصري الذي صنع وابتكر خراطيم المياه لتزيل “الستار العملاق” صناعة واشنطن في أكتوبر، ونسوا من سبح في مياه القناة ليُغلق خط النابالم على بارليف. ونسوا أن المصريين هم من ذهبوا إلى البحث والتنقيب في مياه المتوسط عن الغاز الطبيعي واكتشفوه، وكيف نقل أتباعهم تكنولوجيا نجاح الحفر إليهم. ونسوا أن مصر هي أول من شيد خطوط الغاز إلى عسقلان في إسرائيل، والبيضاء في الأردن، وخطوط الغاز إلى سوريا ولبنان. ونسوا الصهاينة قدرات مصر وما لدينا من عقول وطنية بترولية صنعت المشروعات العملاقة وشيدت الخطوط والأرصفة البحرية.

وما زال لدى قطاع البترول المصري، بعقولِه النابضة بالوطنية وعمالِه ومهندسيه ورجاله، الكثير ليصنعوا زيادة في إنتاج الغاز والزيت، والقادم قريب جدًا. مصر دائمًا هي الأقوى… والتاريخ لا بد للصهاينة أن يتذكروه.


والتكملة قادمة…




تم نسخ الرابط