السبت 13 سبتمبر 2025 الموافق 21 ربيع الأول 1447

أيمن حسين يكتب: بين الحزم والاستبداد شَعرة

131
المستقبل اليوم

هناك شَعرة رفيعة جدًا تفصل بين المدير الحازم والمدير المستبد. مجرد انحراف بسيط قد يرفع مديرًا ليصبح قدوة وصاحب مكانة عالية ومختلفة، أو يُسقطه في فخ الاستبداد ليجعل منه شخصًا بغيضًا وسيئًا. كثيرون يظنون أن الحزم يعني الصوت العالي، أو القرارات الصارمة، أو فرض الرأي بالقوة دون أي مناقشة أو حتى إتاحة الفرصة لعرض وجهات نظر أخرى. لكن الحقيقة أن الحزم شيء، والاستبداد شيء مختلف تمامًا.

المدير الحازم هو من يعرف ما يريد، يضع أهدافًا واضحة، يتخذ قرارات مبنية على معلومات دقيقة وموثوقة، ولا يتردد في الدفاع عن الصواب. لكنه في الوقت نفسه يستمع للآخرين، يفتح باب النقاش، ويحترم اختلاف الآراء. حزمُه ليس لإلغاء الآخر، وإنما لحماية العمل من الفوضى والتشتت ووضع نظام يحمي الجميع. إنه أشبه بقائد أوركسترا يعرف كيف يخرج أفضل ما لدى كل عازف في فريقه، لا أن يعزف وحده ليغطي على الجميع. ليستأثر لنفسه بالصورة كاملة.

أما المدير المستبد فهو من يرى أن رأيه هو القانون، وأنه منزه عن الخطأ يعرف كل شيء ويفهم في كل شيء، وأن خبرته تكفي ليقرر وحده، وأن النقاش مضيعة للوقت. لا يرى إمكانيات من يعملون معه ولا يستفيد منها مهما كانت مميزة ومفيدة. قد يحقق هذا النوع من المديرين نتائج جيدة ولكنها تكون على المدى القصير لأنه يدفع الناس للعمل بالخوف والضغط النفسي، لكن أثره التراكمي خطير جدًا: فهو يهدم الفريق ببطء، يزرع الشك والنفور بدلًا من الثقة، ويُطفئ الحماس بدل أن يشعله. الأخطر أن استبداده لا يضر الموظفين نفسيًا فقط، بل يضر المؤسسة كلها؛ لأنه يُقصي كل رأي مغاير ربما كان أصوب وأكثر نفعًا، فيُغلق باب الأفكار الجديدة ويحوّل العمل إلى انعكاس لمزاجه وأهوائه الشخصية . وهنا لا يخسر الأفراد فقط، بل تخسر المؤسسة فرص التطوير والرؤى المستقبلية.

الحزم يولّد الاحترام، أما الاستبداد فيزرع الرهبة والخوف. والفارق كبير بين موظف يعمل لأنه مقتنع، وموظف يعمل لأنه خائف. الأول يعطيك قلبه وعقله، يبتكر ويضيف، ويشعر أنه جزء من النجاح. اما الثاني لا يعطيك إلا وجود جسدي في المكان فقط، ينتظر اللحظة التي يرحل فيها عنك، وربما يتمنى في كل لحظة رحيلك باسوأ الطرق، فحقا شتان الفارق.

الحزم يعني أن تضع قواعد عادلة وتلتزم أنت بها قبل أن تطلب من غيرك الالتزام. الاستبداد يعني أن تجعل القواعد مطاطة بحسب مزاجك ومصلحتك الخاصة. الحزم يعني أن تحمي الصواب وتمنع الخطأ. الاستبداد يعني أن تصنع صوابًا خاصًا بك أنت وتعتبر كل ما سواه خطأ.

الإدارة الحقيقية ليست في السيطرة، بل في القدرة على ضبط الأمور بعدالة، في أن تكون قويًا لكن عادلًا، ثابتًا لكن مرنًا، قادرًا على توجيه السفينة دون أن تُغرق الركاب. المدير المميز يعرف أن قيمته لا تُقاس بعدد المرات التي قال فيها: “أنا المدير”، بل بعدد المرات التي شعر فيها موظفوه أنهم شركاء معه، لا تابعون له.

في نهاية الأمر، تبقى العلاقة بين المدير وموظفيه علاقة إنسانية ودودة قبل أن تكون مجرد علاقة عمل وزمالة. الموظفون ليسوا آلات، بل بشر لديهم طموحات ومشاعر وأحلام. والمدير الواعي يعرف أن بين الحزم والاستبداد شَعرة، وأن هذه الشعرة وحدها هي التي تحدد صورته في أعين فريقه: إمّا قائد يلهمهم بالعدل والعمل بنشاط وروح عالية تدفعهم للتطور والابتكار ، أو حاكم مستبد يخيفهم بالسلطة والتقارير الدورية وما إلى ذلك. 
المدير الذي يستطيع أن يكسب قلوب فريقه قبل عقولهم، وأن يزرع فيهم الثقة قبل الأوامر، يضمن ولاءً صادقًا ونجاحًا مستمرًا حتى في غيابه.

وأعظم ما يمكن أن يُقال عن مدير بعد سنوات من رحيله: “كان عادلًا، وكان إنسانًا.”
فأفضل ما نستطيع تركه وراءنا أثرًا طيبًا لا يُنسى

الكاتب والشاعر/ أيمن حسين




تم نسخ الرابط