الثلاثاء 16 سبتمبر 2025 الموافق 24 ربيع الأول 1447

د جمال القليوبي يكتب: خط الغاز الروسي للصين وبدائل الأوروبيين

62
المستقبل اليوم

مع استمرار الحرب الأوكرانية الروسية وظهور أزمة أخرى بين بولندا وروسيا نظرًا لاستخدام الأخيرة المجال الجوي لها لضرب أوكرانيا، بات التعاون الاقتصادي بين روسيا والاتحاد الأوروبي في نهايته بسبب العقوبات الاقتصادية التي فرضتها حكومة بايدن السابقة والمستمرة في عهد ترامب على روسيا من جهة، ومن جهة أخرى سعي الاتحاد الأوروبي إلى إنهاء عقود إمدادات الغاز الطبيعي الروسية امتثالًا لتلك العقوبات دون أن يجد بديلًا واضحًا لها.

ويعتمد الاتحاد الأوروبي، المكون من 27 دولة، والذي يصل متوسط استهلاكه اليومي إلى حوالي 35 مليار قدم مكعب في فصل الصيف، بينما في الشتاء يصل إلى 71 مليار قدم مكعب يوميًا، على ثلاث مصادر لإمدادات الغاز الطبيعي. ويُعد الغاز السلعة الاستراتيجية الرئيسية لكثير من المصانع ومحطات الكهرباء والصناعات البتروكيماوية والأسمدة والتدفئة ووقود المنازل.

ويمثل الإنتاج المحلي لبعض دول الاتحاد مثل النرويج – والتي تعد المنتج الأكبر بنسبة 30% من قدرات الاستهلاك – ثم هولندا التي كانت لديها القدرة على إنتاج أكثر من 25% من الاستهلاك، لكنها أصبحت لا تنتج أكثر من 3% فقط بسبب إغلاق أكبر حقولها نتيجة النشاط الزلزالي المحيط به، تليها الدنمارك التي تنتج من بحر الشمال بمستويات محدودة لا تتعدى 2%، ثم رومانيا بمتوسط إنتاج حوالي 5%، وتليها كرواتيا وإيطاليا بنسب أقل من 2%.

بينما يعد المصدر الأكبر الذي تعتمد عليه أوروبا هو الغاز الروسي، والذي يمثل نحو 42% من قدرات الاستهلاك اليومي، ويصل إليها عبر خطوط نورد ستريم (1) الذي يصل إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق – وأغلقته حكومة شولتس السابقة اعتراضًا على الحرب الروسية الأوكرانية – وأيضًا خط نورد ستريم (2) عبر بلغاريا وصربيا إلى ألمانيا والذي لم يُستخدم بعد، وخط يامال–أوروبا عبر بيلاروسيا وبولندا إلى ألمانيا، وخط ترك ستريم الذي يصل إلى تركيا ثم إلى البلقان وأوروبا.

بالإضافة إلى خطوط أخرى مثل خط أذربيجان (باكو) من بحر قزوين إلى أوروبا، وخط “الجرين ستريم” من ليبيا إلى إيطاليا، وخط “ميد غاز” من الجزائر إلى إسبانيا، وكذلك خط “ترانسميد” عبر تونس إلى إيطاليا بنسبة استهلاك تصل إلى حوالي 15%. أما المتبقي من احتياجات الاستهلاك الأوروبي فيُستورد من الغاز المسال القادم من الولايات المتحدة وقطر ونيجيريا وأستراليا.

ومع انتهاء عقود الغاز الروسي بنهاية 2024 أصبح الغاز الروسي لا يمثل سوى 10% فقط، وأصبح الاتحاد الأوروبي يعتمد على الغاز المسال الوارد من أمريكا وقطر ومصر بنسبة تصل إلى 32%، وهو أكثر تكلفة، إذ يمثل ثلاثة أضعاف سعر الغاز الروسي عبر الخطوط.

ويبدو أن تكتل البريكس، الذي يشكل تكتلًا اقتصاديًا جديدًا يقاوم احتكار الغرب وأوروبا للعقوبات الاقتصادية بقيادة كل من الصين وروسيا والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا، اتجه إلى التركيز على منافع الطاقة والغاز. وأصبح هناك سبيل آخر للغاز الروسي بعيدًا عن العقوبات الأوروبية، حيث تم إنشاء خط الغاز “قوة سيبيريا -1” الذي ينقل الغاز الروسي إلى شمال الصين بقدرات سنوية تصل إلى 38 مليار متر مكعب، وكذلك الخط الثاني “قوة سيبيريا -2” تحت التنفيذ عبر منغوليا بطاقة إنتاجية تصل إلى 50 مليار متر مكعب سنويًا. وقد وُقعت الاتفاقيات بين “غازبروم” الروسية و”سي إن بي سي” الصينية ليتم دفع ثمن الغاز باليوان الصيني أو الروبل الروسي بعيدًا عن الدولار.

وعلى الجهة الأخرى أصبح الاتحاد الأوروبي حبيس الاستيراد المكلف للغاز المسال الأمريكي والقطري، والذي يقل من وقت إلى آخر بسبب بطء حركة الناقلات عبر المضايق مؤخرًا نتيجة عدم الاستقرار بسبب حرب أوكرانيا وروسيا، وضربات الاحتلال الإسرائيلي في لبنان وسوريا وإيران وغزة. وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار الطاقة التي تعاني منها اقتصادات ألمانيا وفرنسا وهولندا.

وباتت الخيارات أمام الاتحاد الأوروبي الآن هي العودة مرة أخرى لإقامة مشروعات الطاقة المتجددة باستثمارات في شمال أفريقيا (الدول القريبة من المتوسط)، وكذلك إعادة فتح محطات الطاقة النووية التي أُغلقت جزئيًا في ألمانيا وفرنسا لإنتاج الكهرباء والبدء في أخرى جديدة. كما تسعى الدول الأوروبية من خلال المشروع الجاري تنفيذه مع الحكومة المصرية لمد الكابل الكهربائي البحري من مصر عبر المتوسط إلى اليونان بقدرات 3000 ميجاوات يتم الحصول عليها من مشروعات الشمس والرياح التي تُنفذ على الأراضي المصرية، وكذلك خط الغاز المصري–القبرصي الذي سيستقبل الغاز لإسالته وإعادة تصديره إلى أوروبا.

يسعى الاتحاد الأوروبي من خلال توصياته الأخيرة إلى ضخ استثمارات عبر شركاته في مجال اتفاقيات البحث والاستكشاف للغاز في مياه البحر المتوسط لكل من مصر وليبيا والجزائر ولبنان، وكذلك استثمارات الطاقة المتجددة في مصر وتونس والجزائر والمغرب، ومشروعات الهيدروجين الأخضر في مصر، كي يستطيع في الفترة القادمة إيجاد بدائل للغاز الروسي وتقليل فاتورة استيراد الغاز المسال المكلف الذي أصبح عائقًا في موازنات الاتحاد الأوروبي.

… وإلى تكملة قادمة.




تم نسخ الرابط