الجمعة 19 سبتمبر 2025 الموافق 27 ربيع الأول 1447

مجرد رأي: عندما قال طارق الحديدي (لا).. ماذا حدث؟

350
المستقبل اليوم

لم يحدث شيء..نعم، يتذكر التاريخ لهذا الرجل أنه رفض أسلوبًا إداريًا بعينه، ولكنه لم يقاومه، بالطبع الوظيفة “الميري” ليست موقعًا سياسيًا للمعارضة أو التأييد، وإنما تتحكم فيها مجموعة من العوامل الأخرى تجعله يتخذ قرار المواجهة أو الانسحاب أو انتظار الإقالة.

حديث طارق الحديدي الطويل يُلقي الضوء على شخصيته عن قرب. فهو من الشخصيات التي جرى إعدادها للقيادة جيدًا في عهد الوزير سامح فهمي، وكانت مناصبه المتعددة والمختلفة نافذة له على كل دهاليز القطاع. وعندما تبوأ منصب رئيس الهيئة كانت معايير الاختيار متوافرة فيه، إلا فيما لم يدركوه من مكنون شخصيته وطبيعتها، وهنا يجب أن ندرك أن الشجاعة في ترك المنصب هي شجاعة مع الذات، وهي أصعبها على الإطلاق.

أدرك الرجل أن شخصيته وقدرته على التحمل لا تستطيع مجاراة الواقع، وبالطبع تأتي الظروف المادية لكل منا كعامل رئيسي يتحكم في قرارنا النهائي، وبلا مواربة، لأن الكثيرين يقبلون ويتغاضون لأنهم لا يستطيعون الاستغناء عن دخلهم، وبالتالي تمنعهم وتحتم عليهم عدم اتخاذ قرار مفصلي كهذا.

جاء عابد عز الرجال من بعده وهو يرى الملعب من جهتيه، فآثر أن يكون على الخطوط الجانبية معظم الوقت، وهذا أيضًا أسلوب لا يستطيعه الكثيرون، واستمر لأكثر من خمس سنوات.

وتأتي ملاحظة هامة أخرى في حديث طارق الحديدي، أختلف معه فيها، وهي رفضه تأمين دخول رئيس الهيئة إلى مكتبه، هنا نرى نوعًا من الانجذاب نحو الآراء الجماهيرية التي ربما لا تتفق كثيرًا مع واقعنا، ربما نرى ذلك في دول لها أنماط إدارة وشعوب مختلفة، ولكن في مجتمعاتنا العربية عمومًا فهناك دائمًا خطورة من مهووسين أو أصحاب مطالب مشروعة أو غير مشروعة، يمكن أن يؤدي التهاون في الإجراءات إلى عواقب وخيمة.

وأذكر حديث الدكتور مصطفى الفقي عندما قال إن إنجلترا هي بلد المراسم والإجراءات البروتوكولية الصارمة، وهي أهم عندهم من محادثات المسؤولين ذاتها التي تكون شكلية بالدرجة الأولى، أما في فرنسا فإن الالتزام بقواعد الاستقبال والبروتوكول يرقى إلى احترام الدستور، ومخالفتها مصيبة كبيرة. لذلك، فموضوع المراسم وخطواتها وتأمينها لا علاقة له بالتواضع إطلاقًا، وإنما هو جزء رئيسي وهام في منظومة العمل على اختلاف مستوياته، بالطبع يقوم به آخرون، وهذا عملهم ومسؤوليتهم، وليست شأنًا خاصًا بالقيادة تقبلها أو ترفضها.

الخلاصة في تجربة الحديدي أن الشجاعة الحقة هي شجاعة مواجهة النفس والاقتناع بالقدرات الذاتية على المواجهة أو الانسحاب بشرف، وعندها يكون قرار الانسحاب مثيرًا للاحترام.والسلام،

#سقراط




تم نسخ الرابط